تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

{ 9 } { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ }

يخبر تعالى عن كمال اقتداره ، وسعة جوده ، وأنه { أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ } فأنزله اللّه عليها { فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا }

فحييت البلاد والعباد ، وارتزقت الحيوانات ، ورتعت في تلك الخيرات ، { كَذَلِكَ } الذي أحيا الأرض بعد موتها ، ينشر الله الأموات من قبورهم ، بعدما مزقهم البلى ، فيسوق إليهم مطرا ، كما ساقه إلى الأرض الميتة ، فينزله عليهم فتحيا الأجساد والأرواح من القبور ، ويأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم ، ويفصل بحكمه العدل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها - كما في [ أول ]{[24471]} سورة الحج - ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك ، فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها ، فإذا أرسل إليها{[24472]} السحاب تحمل الماء وأنزله عليها ، { اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [ الحج : 5 ] ، كذلك الأجساد{[24473]} ، إذا أراد الله سبحانه بعثها ونشورها ، أنزل من تحت العرش مطرا يعم{[24474]} الأرض جميعًا فتنبت الأجساد في قبورها كما ينبت{[24475]} الحب في الأرض ؛ ولهذا جاء في الصحيح : " كل ابن آدم يبلى إلا عَجْب الذَّنَب ، منه خلق ومنه يركب " ؛ولهذا قال تعالى : { كَذَلِكَ النُّشُورُ } .

وتقدم في " الحج " {[24476]} حديث أبي رَزِين : قلت : يا رسول الله ، كيف يحيي الله الموتى ؟ وما آية ذلك في خلقه ؟ قال : " يا أبا رزين ، أما مررت بوادي قومك محْلا{[24477]} ثم مررت به يهتز خَضِرًا ؟ " قلت : بلى . قال : «فكذلك يحيي الله الموتى » .


[24471]:- زيادة من ت، س، أ.
[24472]:- في ت : "عليها".
[24473]:- في ت، س : "الأجسام".
[24474]:- في أ : "فعم".
[24475]:- في ت : "كما تنبت".
[24476]:- (6) عند الآيات : 12 - 16.
[24477]:- (7) في ت، س، أ : "ممحلا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاللّهُ الّذِيَ أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىَ بَلَدٍ مّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النّشُورُ } .

يقول تعالى ذكره : والله الذي أرسل الرياح فتثير السحاب للحَيا والغيث فَسقْناهُ إلى بَلَدٍ مَيّتٍ يقول : فسقناه إلى بلد مجدب الأهل ، محل الأرض ، داثر لا نبت فيه ولا زرع فَأحْيَيْنا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يقول : فأخصبنا بغيث ذلك السحاب الأرض التي سقناه إليها بعد جدوبها ، وأنبتنا فيها الزرع بعد المحل كَذلكَ النّشُورُ يقول تعالى ذكره : هكذا يُنْشِر الله الموتى بعد بلائهم في قبورهم ، فيحييهم بعد فنائهم ، كما أحيينا هذه الأرض بالغيث بعد مماتها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، قال : حدثنا أبو الزعراء ، عن عبد الله ، قال : يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون ، فليس من بني آدم إلاّ وفي الأرض منه شيء . قال : فيرسل الله ماء من تحت العرش منيّا كمنيّ الرجل ، فتنبت أجسادهم ولحمانهم من ذلك ، كما تنبت الأرض من الثرى ، ثم قرأ : وَاللّهُ الّذِي أرْسَلَ الرّياحَ فَتُثيرُ سَحَابا فَسقْناهُ إلى بَلَدٍ مَيّتْ . . . إلى قوله : كَذلكَ النُشُورُ قال : ثم يقوم ملَك بالصور بين السماء والأرض ، فينفخ فيه ، فتنطلق كلّ نفس إلى جسدها ، فتدخل فيه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَاللّهُ الّذِي أرْسَلَ الرّياحَ فَتُثيرُ سحَابا قال : يرسل الرياح فتسوق السحاب ، فأحيا الله به هذه الأرض الميتة بهذا الماء ، فكذلك يبعثه يوم القيامة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

هذه آية احتجاج على الكفرة في إنكار البعث من القبور ، فدلهم تعالى على المثال الذي يعاينونه وهو سواء مع إحياء الموتى ، و «البلد الميت » هو الذي لا نبت فيه قد اغبر من القحط فإذا أصابه الماء من السحاب اخضر وأنبت فتلك حياته ، و { النشور } مصدر نشر الميت إذا حيي ، ومنه قول الأعشى :

يا عجبا للميت الناشر{[9694]} . . .


[9694]:هذا عجز بيت قاله الأعشى من قصيدة له يهجو بها علقمة بن علاثة ويمدح عامر ابن الطفيل في المنافرة التي جرت بينهما، وهو بتمامه مع بيت قبله: لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم يُنقل إلى قابر حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر واستعماله(مَيْت وميِّت) يدل على انهما بمعنى واحد، وقد جمع بينهما عدي بن الرعلاء حين قال: ليس من مات فاستراح بميْت إنما الميت ميِّت الأحياء إنما الميت من يعيش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء وإلى هذا يميل أكثر اللغويين، وإن كان الجوهري قد حكى عن الفراء قوله:"يقال لمن لم يمت: إنه مائت عن قليل، وميِّت، ولا يقولون لمن مات: هذا مائت".قال صاحب اللسان:وهذا خطأ، وإنما(ميت) يصلح لما قد مات ولما سيموت، قال تعالى:{إنك ميت وإنهم ميتون}، والآية هنا أكبر دليل على أن(الميت) بالتشديد تكون للميت بالفعل، وغيرها يدل على أن الميت بالتخفيف هو الميت أيضا بالفعل، وأن كلا من المخففة والمثقلة بمعنى واحد.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

لما قدم في أول السورة الاستدلال بأن الله فطر السماوات والأرض وما في السماوات من أهلها وذلك أعظم دليل على تفرده بالإِلهية ثنّي هنا بالاستدلال بتصريف الأحوال بين السماء والأرض وذلك بإرسال الرياح وتكوين السحاب وإنزال المطر ، فهذا عطف على قوله : { فاطر السماوات والأرض } [ فاطر : 1 ] .

وإظهار اسم الجلالة في مقام الإِضمار دون أن يقول وهو الذي أرسل الرياح فيعود الضمير إلى اسم الله من قوله : { إن الله عليم بما يصنعون } [ فاطر : 8 ] .

واختير من دلائل الوحدانية دلالة تجمع أسباب المطر ليفضي من ذلك إلى تنظير إحياء الأموات بعد أحوال الفناء بآثار ذلك الصنع العجيب وأن الذي خلق وسائل إحياء الأرض قادر على خلق وسائل إحياء الذين ضمنتهم الأرض على سبيل الإِدماج .

وإذ قد كان القصد من الاستدلال هو وقوع الإِحياء وتقرر وقوعه جيء بفعل الماضي في قوله : { أرسل } . وأما تغييره إلى المضارع في قوله : { فتثير سحاباً } فلحكاية الحال العجيبة التي تقع فيها إثارة الرياح السحابَ وهي طريقة للبلغاء في الفعل الذي فيه خصوصية بحال تستغرب وتهم السامع . وهو نظير قول تأبط شرًّا :

بأني قد لَقيت الغول تهوي *** بسَهب كالصحيفة صَحْصَحان

فأَضرِبُها بلا دهش فخرت *** صريعاً لليدين وللجِـــرَان

فابتدأ ب ( لقيت ) لإِفادة وقوع ذلك ثم ثنى ب ( أضربها ) لاستحضار تلك الصورة العجيبة من إقدامه وثباته حتى كأنهم يبصرونه في تلك الحالة . ولم يؤت بفعل الإِرسال في هذه الآية بصيغة المضارع بخلاف قوله في سورة الروم ( 48 ) { الله الذي يرسل الرياح } الآية لأن القصد هنا استدلال بما هو واقع إظهاراً لإِمكان نظيره وأما آية سورة الروم فالمقصود منها الاستدلال على تجديد صنع الله ونعمه .

والقول في الرياح والسحاب تقدم غير مرة أولاها في سورة البقرة .

وفي قوله : { فسقناه } بعد قوله : { الله الذي أرسل الرياح } التفاوت من الغيبة إلى التكلم .

وقوله : { كذلك النشور } سبيله سبيل قوله : { يا أيها الناس إن وعد الله حق } [ فاطر : 5 ] الآيات من إثبات البعث مع تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عنه ، إلا أن ما قبله كان مأخوذاً من فحوى الدلالة لما ظهرت في برهان صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به من توحيد أخذ من طريق دلالة التقريب لوقوع البعث إذ عسر على عقولهم تصديق إمكان الإِعادة بعد الفناء ليحصل من بارقة صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وبارقة الإِمكان ما يسوق أذهانهم إلى استقامة التصديق بوقوع البعث .

والإِشارة في قوله : { كذلك النشور } إلى المذكور من قوله : { فأحيينا به الأرض } . والأظهر أن تكون الإِشارة إلى مجموع الحالة المصورة ، أي مثل ذلك الصنع المحكم المتقن نصنع صنعاً يكون به النشور بأن يهيّىء الله حوادث سماوية أو أرضية أو مجموعة منهما حتى إذا استقامت آثارها وتهيأت أجسام لقبول أرواحها أمر الله بالنفخة الأولى والثانية فإذا الأجساد قائمة ماثلة نظير أمرِ الله بنفخ الأرواح في الأجنة عند استكمال تهيئها لقبول الأرواح .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم تقريب ذلك بمثل هذا مما رواه أحمد وابن أبي شيبة وقريب منه في « صحيح مسلم » عن عروة بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم " قيل لرسول الله : كيف يُحْيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه ؟ فقال : هل مررتَ بوادٍ أُهْلِكَ ممحلاً ثم مررتَ به يهتزُ خَضِراً ؟ قيل : نعم . قال : فكذلك يَحيِي الله الموتى وتلك آيته في خلقه " . وفي بعض الروايات عن أبي رزين العقيلي أن السائل أبو رزين .

وقرأ الجمهور { الرياح } بصيغة الجمع . وقرأ حمزة والكسائي « الريح » بالإِفراد ، والمعرّف بلام الجنس يستوي فيه المفرد والجمع .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ} (9)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه} فسقنا السحاب.

{إلى بلد ميت} يعني بالميت أنه ليس عليه نبت.

{فأحيينا به} بالماء {الأرض} فتنبت {بعد موتها} بعد إذ لم يكن عليها نبت.

{كذلك النشور} هكذا يحيون يوم القيامة بالماء كما يحيى الأرض بعد موتها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: والله الذي أرسل الرياح فتثير السحاب للحَيا والغيث "فَسقْناهُ إلى بَلَدٍ مَيّتٍ "يقول: فسقناه إلى بلد مجدب الأهل، محل الأرض، داثر لا نبت فيه ولا زرع.

"فَأحْيَيْنا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها" يقول: فأخصبنا بغيث ذلك السحاب الأرض التي سقناه إليها بعد جدوبها، وأنبتنا فيها الزرع بعد المحل.

"كَذلكَ النّشُورُ" يقول تعالى ذكره: هكذا يُنْشِر الله الموتى بعد بلائهم في قبورهم، فيحييهم بعد فنائهم، كما أحيينا هذه الأرض بالغيث بعد مماتها.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

أجرى سُنَّتَه بأنه يُظْهِرُ فَضْلَه في إحياء الأرض بالتدريج؛ فأولاً يرسل الرياح ثم يأتي بالسحاب، ثم يوجِّه ذلك السحاب إلى الموضع الذي يريد له تخصيصاً كيف يشاء، ويُمْطِرُ هناك كيف يشاء، كذلك إذا أراد إحياءَ قلبِ عبدٍ بما يسقيه وينزل عليه من أَمطار عنايته، فيُرْسِلُ أولاً رياحَ الرجاء، ويزعج بها كوامنَ الإرادة، ثم ينشئ فيها سُحُبَ الاهتياج، ولوعةَ الانزعاج، ثم يجود بمطرٍ يُنْبِتُ في القلب أزهارَ البَسْطِ، وأَنوارَ الرَّوْح، فيطيب لصاحِبه العَيْشُ إلى أن تمَّ لطائفُ الأنْسِ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

فإن قلت: لم جاء {فَتُثِيرُ} على المضارعة دون ما قبله وما بعده؟ قلت؛ ليحكي الحال التي تقع فيها أثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدرة الربانية، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها: لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: فسقنا، وأحيينا؛ معدولاً بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدلّ عليه.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

هذه آية احتجاج على الكفرة في إنكار البعث من القبور، فدلهم تعالى على المثال الذي يعاينونه وهو سواء مع إحياء الموتى.

{النشور} مصدر نشر الميت إذا حيي، ومنه قول الأعشى: يا عجبا للميت الناشر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

هبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار وذلك لأن الهواء قد يسكن، وقد يتحرك، وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين، وقد يتحرك إلى اليسار، وفي حركاته المختلفة قد ينشئ السحاب، وقد لا ينشئ، فهذه الاختلافات دليل على مسخر مدبر ومؤثر مقدر، وفي الآية مسائل:

المسألة الأولى: قال تعالى: {والله الذي أرسل} بلفظ الماضي وقال: {فتثير سحابا} بصيغة المستقبل، وذلك لأنه لما أسند فعل الإرسال إلى الله وما يفعل الله يكون بقوله كن، فلا يبقى في العدم لا زمانا ولا جزأ من الزمان، فلم يقل بلفظ المستقبل لوجوب وقوعه وسرعة كونه، كأنه كان وكأنه فرغ من كل شيء، فهو قدر الإرسال في الأوقات المعلومة إلى المواضع المعينة والتقدير كالإرسال، ولما أسند فعل الإثارة إلى الريح وهو يؤلف في زمان فقال: {تثير} أي على هيئتها.

...

...

...

المسألة الثالثة: وجه التشبيه بقوله: {كذلك النشور} فيه وجوه:

أحدها: أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها، كذلك الأعضاء تقبل الحياة. وثانيها: كما أن الريح يجمع القطع السحابية، كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء.

وثالثها: كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت.

المسألة الرابعة: ما الحكمة في اختيار هذه الآية من بين الآيات، مع أن الله تعالى له في كل شيء آية تدل على أنه واحد، فنقول لما ذكر الله أنه فاطر السموات والأرض، وذكر من الأمور السماوية والأرواح وإرسالها بقوله: {جاعل الملائكة رسلا} ذكر من الأمور الأرضية الرياح وإرسالها بقوله: {والله الذي أرسل الرياح}...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

كثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها...

روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :

الإثارة خاصية للرياح وأثر لا ينفك في الغالب عنها، فلا يوجد إلا بعد إيجادها فيكون مستقبلاً بالنسبة إلى الإرسال، وعلى هذا يكون استعمال المضارع على ظاهره وحقيقته من غير تأويل، لأن المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم، والفاء دالة على عدم تراخي ذلك، وهو شيء آخر،وجوز أن يكون الإتيان بما يدل على الماضي ثم بما يدل على المستقبل، إشارة إلى استمرار الأمر وأنه لا يختص بزمان دون زمان، إذ لا يصح الماضي والاستقبال في شيء واحد إلا إذا قصد ذلك.

فأحيينا به الأرض، دون فأحييناه أي البلد الميت به، تعليقاً للإحياء بالجنس المعلوم عند كل أحد وهو الأرض، ولأن ذلك أوفق بأمر البعث.

{الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} مع أن الإحياء مؤذن بذلك، لما فيه من الإشارة إلى أن الموت للأرض الذي تعلق بها الإحياء معلوم لهم، وبذلك يقوى أمر التشبيه فليتأمل...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(فأحيينا به الأرض بعد موتها)... وتتم الخارقة التي تحدث في كل لحظة والناس في غفلة عن العجب العاجب فيها، وهم مع وقوع هذه الخارقة في كل لحظة يستبعدون النشور في الآخرة، وهو يقع بين أيديهم في الدنيا...

(كذلك النشور).. في بساطة ويسر، وبلا تعقيد ولا جدل بعيد!... لا سبيل إلى المكابرة فيه... وهو مشهد بهيج جميل مثير، وبخاصة في الصحراء حيث يمر عليها الإنسان اليوم وهي محل جدب جرداء، ثم يمر عليها غداً وهي ممرعة خضراء من آثار الماء، والقرآن يتخذ موحياته من مألوف البشر المتاح لهم، مما يمرون عليه غافلين، وهو معجز معجب حين تتملاه البصائر والعيون...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

لما قدم في أول السورة الاستدلال بأن الله فطر السماوات والأرض وما في السماوات من أهلها وذلك أعظم دليل على تفرده بالإِلهية، ثنّي هنا بالاستدلال بتصريف الأحوال بين السماء والأرض وذلك بإرسال الرياح وتكوين السحاب وإنزال المطر، فهذا عطف على قوله: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1]

واختير من دلائل الوحدانية، دلالة تجمع أسباب المطر ليفضي من ذلك إلى تنظير إحياء الأموات بعد أحوال الفناء بآثار ذلك الصنع العجيب وأن الذي خلق وسائل إحياء الأرض قادر على خلق وسائل إحياء الذين ضمنتهم الأرض على سبيل الإِدماج، وإذ قد كان القصد من الاستدلال هو وقوع الإِحياء، وتقرر وقوعه جيء بفعل الماضي في قوله: {أرسل}.

وأما تغييره إلى المضارع في قوله: {فتثير سحاباً} فلحكاية الحال العجيبة التي تقع فيها إثارة الرياح السحابَ، وهي طريقة للبلغاء في الفعل الذي فيه خصوصية بحال تستغرب وتهم السامع...

{كذلك النشور} إلى المذكور من قوله: {فأحيينا به الأرض}، والأظهر أن تكون الإِشارة إلى مجموع الحالة المصورة، أي مثل ذلك الصنع المحكم المتقن، نصنع صنعاً يكون به النشور؛ بأن يهيّئ الله حوادث سماوية أو أرضية أو مجموعة منهما، حتى إذا استقامت آثارها وتهيأت أجسام لقبول أرواحها، أمر الله بالنفخة الأولى والثانية، فإذا الأجساد قائمة ماثلة، نظير أمرِ الله بنفخ الأرواح في الأجنة عند استكمال تهيئها لقبول الأرواح...