{ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي : نعاونك به ونقويك .
ثم أزال عنه محذور القتل ، فقال : { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا } أي : تسلطا ، وتمكنا من الدعوة ، بالحجة ، والهيبة الإلهية من عدوهما لهما ، { فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } وذلك بسبب آياتنا ، وما دلت عليه من الحق ، وما أزعجت به من باشرها ونظر إليها ، فهي التي بها حصل لكما السلطان ، واندفع بها عنكم ، كيد عدوكم{[602]} وصارت لكم أبلغ من الجنود ، أولي الْعَدَدِ والْعُدَدِ .
{ أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } وهذا وعد لموسى في ذلك الوقت ، وهو وحده فريد ، وقد رجع إلى بلده ، بعد ما كان شريدا ، فلم تزل الأحوال تتطور ، والأمور تنتقل ، حتى أنجز الله له موعوده ، ومكنه من العباد والبلاد ، وصار له ولأتباعه ، الغلبة والظهور .
فلما سأل ذلك قال الله تعالى : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } أي : سنقوي أمرك ، ونعز جانبك بأخيك ، الذي سألت له أن يكون نبيا معك . كما قال في الآية الأخرى : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى } [ طه : 36 ] ، وقال تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا } [ مريم : 53 ] . ولهذا قال بعض السلف : ليس أحد أعظم مِنَّةً على أخيه ، من موسى على هارون ، عليهما السلام ، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيًّا ورسولا معه إلى فرعون وملئه ، ولهذا قال [ الله تعالى ]{[22316]} في حق موسى : { وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا } [ الأحزاب : 69 ] .
وقوله تعالى : { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا } أي : حجة قاهرة ، { فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا } أي : لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله ، كما قال الله تعالى [ لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ]{[22317]} : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ] وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ] {[22318]} . وقال تعالى : { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [ الأحزاب : 39 ] ، أي : وكفى بالله ناصرًا ومعينًا ومؤيدًا . ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولِمَنْ اتبعهما في الدنيا والآخرة ، فقال : { أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } ، كما قال تعالى : { كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] ، وقال تعالى : { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ . يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ } [ غافر : 51 ، 52 ] .
ووجه ابن جرير على أن المعنى : { وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا } ، ثم يبتدئ فيقول : { بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } ، تقديره : أنتما ومَنْ اتبعكما الغالبون بآياتنا{[22319]} .
ولا شك أن هذا المعنى صحيح ، وهو حاصل من التوجيه الأول ، فلا حاجة إلى هذا ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالَ سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قال الله لموسى سَنَشُدّ عَضُدَكَ أي نقوّيك ونُعينك بأخيك . تقول العرب إذا أعزّ رجل رجلاً ، وأعانه ومنعه ممن أراده بظلم : قد شَدّ فلان على عَضُد فلان ، وهو مِن عاضده على أمره : إذا أعانه ، ومنه قول ابن مقبل :
عاضَدْتُها بِعَتُودٍ غيرِ مُعْتَلَثٍ *** كأنّهُ وَقْفُ عاجٍ باتَ مَكْنُونا
يعني بذلك : قوسا عاضدها بسهم . وفي العضُد لغات أربع : أجودها : العَضُد ، ثم العَضْدُ ، ثم العُضُد ، والعُضْد . يجمع جميع ذلك على أعضاد .
وقوله : ونَجْعَلُ لَكما سُلْطانا يقول : ونجعل لكما حجة . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله لَكُما سُلْطانا حجة .
حدثنا القاسم قال : قال : حدثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ونَجْعَلُ لَكُما سُلْطانا والسلطان : الحجة .
وقوله : فَلا يَصِلُونَ إلَيْكُما يقول تعالى ذكره : فلا يصل إليكما فرعون وقومه بسوء . وقوله : بِآياتِنا يقول تعالى ذكره : فَلاَ يَصِلُونَ إلَيْكُمَا فرعون وقومه بِآياتِنا أنْتُما وَمَنِ اتّبَعَكُما الغالِبُونَ فالباء فِي قوله بآياتنا من صلة غالبون . ومعنى الكلام : أنتما ومن اتبعكما الغالبون فرعون وملأه بآياتنا أي بحجتنا وسلطاننا الذي نجعله لكما .
و «شد العضد » استعارة في المعونة والإنهاض ، وقرأ الحسن بضم العين «عضُد » ، وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد ، و «السلطان » ، الحجة ، وقوله { بآياتنا } يحتمل أن تتعلق الباء بقوله { ونجعل لكما } أو ب { يصلون } وتكون باء السبب ، ويحتمل أن تتعلق بقوله { الغالبون } أي تغلبون بآياتنا{[9147]} ، والآيات هي معجزاته عليه السلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.