مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا بِـَٔايَٰتِنَآۚ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلۡغَٰلِبُونَ} (35)

أما قوله : { سنشد عضدك بأخيك } فاعلم أن العضد قوام اليد وبشدتها تشتد ، يقال في دعاء الخير شد الله عضدك ، وفي ضده فت الله في عضدك . ومعنى سنشد عضدك بأخيك سنقويك به ، فإما أن يكون ذلك لأن اليد تشتد لشدة العضد والجملة تقوى بشدة اليد على مزاولة الأمور ، وإما لأن الرجل شبه باليد في اشتدادها باشتداد العضد فجعل كأنه يد مشتدة بعضد شديدة .

أما قوله : { ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما } فالمقصود أن الله تعالى آمنه مما كان يحذر فإن قيل بين تعالى أن السلطان هو بالآيات فكيف لا يصلون إليهما لأجل الآيات أو ليس فرعون قد وصل إلى صلب السحرة وإن كانت هذه الآيات ظاهرة ، قلنا إن الآية التي هي قلب العصا حية كما أنها معجزة فهي أيضا تمنع من وصول ضرر فرعون إلى موسى وهارون عليهما السلام ، لأنهم إذا علموا أنه متى ألقاها صارت حية عظيمة وإن أراد إرسالها عليهم أهلكتهم زجرهم ذلك عن الإقدام عليهما فصارت مانعة من الوصول إليهما بالقتل وغيره وصارت آية ومعجزة فجمعت بين الأمرين ، فأما صلب السحرة ففيه خلاف فمنهم من قال ما صلبوا وليس في القرآن ما يدل عليه وإن سلمنا ذلك ولكنه تعالى قال : { فلا يصلون إليكما } فالمنصوص أنهم لا يقدرون على إيصال الضرر إليهما وإيصال الضرر إلى غيرهما لا يقدح فيه ، ثم قال : { أنتما ومن اتبعكما الغالبون } والمراد إما الغلبة بالحجة والبرهان في الحال ، أو الغلبة في الدولة والمملكة في ثاني الحال والأول أقرب إلى اللفظ .