تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

{ وَإِنَّهُ } أي : هذا الكتاب { لَدَيْنَا } في الملأ الأعلى في أعلى الرتب وأفضلها { لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } أي : لعلي في قدره وشرفه ومحله ، حكيم فيما يشتمل عليه من الأوامر والنواهي والأخبار ، فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

وقوله تعالى : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } بين شرفه في الملأ الأعلى ، ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض ، فقال تعالى : { وإنه } أي : القرآن { فِي أُمِّ الْكِتَابِ } أي : اللوح المحفوظ ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، { لدينا } أي : عندنا ، قاله قتادة وغيره ، { لعلي } أي : ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل ، قاله قتادة { حكيم } أي : محكم بريء من اللبس والزيغ .

وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله ، كما قال : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ . لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ . تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الواقعة : 77 - 80 ] وقال : { كَلا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ . فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ . مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ . بِأَيْدِي سَفَرَةٍ . كِرَامٍ بَرَرَةٍ } [ عبس : 11 - 16 ] ؛ ولهذا استنبط العلماء ، رحمهم الله ، من هاتين الآيتين : أن المُحدِثَ لا يمس المصحف ، كما ورد به الحديث إن صح ؛ لأن{[25987]} الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى ، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى ، لأنه نزل عليهم ، وخطابه متوجه إليهم ، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم ، والانقياد له بالقبول والتسليم ، لقوله : { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } .


[25987]:- (4) في ت، أ: "إن صح، وقوله: "لا تمس المصحف إلا وأنت طاهر" لأن".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

يقول تعالى ذكره : وإن هذا الكتاب أصل الكتاب الذي منه نسخ هذا الكتاب عندنا لعليّ : يقول : لذو علوّ ورفعة ، حكيم : قد أحكمت آياته ، ثم فصلت فهو ذو حكمة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، عن القاسم بن أبي بزة ، قال : حدثنا عروة بن عامر ، أنه سمع ابن عباس يقول : أوّل ما خلق الله القلم ، فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق ، قال : والكتاب عنده ، قال : وإنه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، عن عطية بن سعد في قول الله تبارك وتعالى : وإنّهُ في أمّ الكِتابِ لَدَيْنا لِعَلِيّ حَكِيمٌ يعني القرآن في أمّ الكتاب الذي عند الله منه نسخ .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت مالكا يروي عن عمران ، عن عكرمة وإنّهُ فِي أُمّ الكِتاب لَدَيْنا قال : أمّ الكتاب القرآن .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : وَإنّهُ في أمّ الكِتاب لَدَيْنا قال : أمّ الكتاب : أصل الكتاب وجملته .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّهُ فِي أُمّ الكِتابِ : أي جملة الكتاب أي أصل الكتاب .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإنّهُ فِي أُمّ الكِتابِ يقول : في الكتاب الذي عند الله في الأصل .

وقوله : لَدَيْنا لَعَلِيّ حَكِيمٌ وقد ذكرنا معناه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لَدَيْنا لَعَلِيّ حَكِيمٌ يخبر عن منزلته وفضله وشرفه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

{ وإنه } عطف على انا ، وقرأ حمزة والكسائي بالكسر على الاستئناف . { في أم الكتاب } في اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية ، وقرئ أو الكتاب بالكسر . { لدينا } محفوظا عندنا عن التغيير . { لعلي } رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزا من بينها . { حكيم } ذو حكمة بالغة ، أو محكم لا ينسخه غيره . وهما خبران لأن { وفي أم الكتاب } متعلق ب { لعلي } واللام لا تمنعه ، أو حال منه و{ لدينا } بدل منه أو حال من { أم الكتاب } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (4)

عطف على جملة { إنا جعلناه قرآناً عربياً } [ الزخرف : 3 ] ، فهو زيادة في الثناء على هذا الكتاب ثناء ثانياً للتنويه بشأنه رفعةً وإرشاداً .

و { أمّ الكتاب } : أصل الكتاب . : والمراد ب { أم الكتاب } علمُ الله تعالى كما في قوله : { وعنده أمُّ الكتاب } في سورة الرعد ( 39 ) ، لأن الأمّ بمعنى الأصل والكتاب هنا بمعنى المكتوب ، أي المحقق الموثق وهذا كناية عن الحق الذي لا يقبل التغيير لأنهم كانوا إذا أرادوا أن يحققوا عهداً على طول مدة كتبوه في صحيفة ، قال الحارث بن حلزة :

حَذر الجَور والتطاخي وهل يَن *** قُض ما في المَهارق الأهواء

و { عليٌّ } أصله المرتفع ، وهو هنا مستعار لشرف الصفة وهي استعارة شائعة .

وحكيم : أصله الذي الحكمة من صفات رأيه ، فهو هنا مجاز لما يحوي الحكمة بما فيه من صلاح أحوال النفوس والقوانين المقيّمة لنظام الأمة .

ومعنى كون ذلك في علم الله : أن الله عَلمه كذلك وما عَلِمه الله لا يقبل الشك . ومعناه : أن ما اشتمل عليه القرآن من المعاني هو من مراد الله وصدر عن علمه . ويجوز أيضاً أن يفيد هذا شهادة بعلوّ القرآن وحكمته على حد قولهم في اليمين : الله يعلم ، وعَلِم الله .

وتأكيد الكلام ب ( إنَّ ) لردّ إنكار المخاطبين إذ كذّبوا أن يكون القرآن موحًى به من الله .

و{ لدينا } ظرف مستقر هو حال من ضمير { إِنهُ } أو من { أم الكتاب } والمقصود : زيادة تحقيق الخبر وتشريف المخبر عنه . وقرأ الجمهور في { أم الكتاب } بضمّ همزة { أم } . وقرأه حمزة والكسائي بكسر همزة { إِم الكتاب } في الوصل اتباعاً لكسرة { في } ، فلو وقف على { في } لم يكسر الهمزة .