تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا * فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

يخبر تعالى خبرا في ضمنه الأمر والحث على طاعة الرسول والانقياد له . وأن الغاية من إرسال الرسل أن يكونوا مطاعين ينقاد لهم المرسلُ إليهم في جميع ما أمروا به ونهوا عنه ، وأن يكونوا معظمين تعظيم المطيع{[212]}  للمطاع .

وفي هذا إثبات عصمة الرسل فيما يبلغونه عن الله ، وفيما يأمرون به وينهون عنه ؛ لأن الله أمر بطاعتهم مطلقا ، فلولا أنهم معصومون لا يشرعون ما هو خطأ ، لما أمر بذلك مطلقا .

وقوله : { بِإِذْنِ اللَّهِ } أي : الطاعة من المطيع صادرة بقضاء الله وقدره . ففيه إثبات القضاء والقدر ، والحث على الاستعانة بالله ، وبيان أنه لا يمكن الإنسان -إن لم يعنه الله- أن يطيع الرسول .

ثم أخبر عن كرمه العظيم وجوده ، ودعوته لمن اقترفوا السيئات أن يعترفوا ويتوبوا ويستغفروا الله فقال : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ } أي : معترفين بذنوبهم باخعين بها .

{ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } أي : لتاب عليهم بمغفرته ظلْمَهم ، ورحمهم بقبول التوبة والتوفيق لها والثواب عليها ، وهذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته ؛ لأن السياق يدل على ذلك لكون الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته ، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء بل ذلك شرك .


[212]:- في النسختين: تعظيم المطاع للمطيع، وهو سبق قلم، وقد عدلت في ب عن طريق المطبعة السلفية إلى تعظيم المطاع من المطيع.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

يقول تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ } أي : فرضت طاعته على من أرسله{[7829]} إليهم وقوله : { بِإِذْنِ اللَّهِ } قال مجاهد : أي لا يطيع أحد إلا بإذني . يعني : لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك ، كقوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } [ آل عمران : 52 ] أي : عن أمره وقدره ومشيئته ، وتسليطه إياكم عليهم .

وقوله : { وَلَوْ أَنْهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده ، ويسألوه أن يستغفر لهم ، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ، ولهذا قال : { لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا }

وقد ذكر جماعة منهم : الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه " الشامل " الحكاية المشهورة عن العُتْبي ، قال : كنت جالسا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا } وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم أنشأ يقول :

يا خيرَ من دُفنَت بالقاع{[7830]} أعظُمُه *** فطاب منْ طيبهنّ القاعُ والأكَمُ

نَفْسي الفداءُ لقبرٍ أنت ساكنُه *** فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ

ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال : يا عُتْبى ، الحقْ الأعرابيّ فبشره أن الله قد غفر له{[7831]} .


[7829]:في ر: "أرسلته".
[7830]:في أ: "في القاع".
[7831]:ذكر هذه الحكاية النووي في المجموع (8/217) وفي الإيضاح (ص498)، وزاد البيتين التاليين: أنت الشفيع الذي ترجى شفاعته***على الصراط إذا ما زلت القدموصاحباك فلا أنساهما أبدا*** مني السلام عليكم ما جرى القلموساقها بقوله: "ومن أحسن ما يقول: ما حكاه أصحابنا عن العتبي مستحسنين له ثم ذكرها بتمامها"، وابن كثير هنا لم يروها ولم يستحسنها بل نقلها كما نقل بعض الإسرائيليات في تفسيره، وهي حكاية باطلة، وقصة واهية، استدل بها بعض الناس بجواز التوسل بالرسول صلى الله عليه سلم بعد وفاته، والرد عليها بأربعة أمور ذكرها الشيخ الفاضل صالح آل الشيخ في كتابه: "هذه مفاهيمنا" (ص76).أولا: ما دام أنها ليست من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فعل خلفائه الراشدين، وصحابته المكرمين، ولا من فعل التابعين، والقرون المفضلة، وإنما هي مجرد حكاية عن مجهول نقلت بسند ضعيف، فكيف يحتج بها في عقيدة التوحيد، الذي هو أصل الأصول، وكيف يحتج بها وهي تعارض الأحاديث الصحيحة التي نهي فيها عن الغلو في القبور، والغلو في الصالحين عموما، وعن الغلو في قبره، والغلو فيه صلى الله عليه وسلم خصوصا، وأما من نقلها من العلماء أو استحسنها فليس ذلك بحجة تعارض بها النصوص الصحيحة وتخالف من أجلها عقيدة السلف، فقد يخفى على بعض العلماء ما هو واضح لغيرهم، وقد يخطئون في نقلهم ورأيهم، وتكون الحجة مع من خالفهم.وما دمنا قد علمنا طريق الصواب، فلا شأن لنا بما قاله فلان أو حكاه فلان، فليس ديننا مبنيا على الحكايات والمنامات، وإنما هو مبني على البراهين الصحيحة.ثانيا: قد تخفى بعض المسائل والمعاني على من خلع الأنداد، وتبرأ من الشرك وأهله، كما قال بعض الصحابة: "اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده ما قاله أصحاب موسى: (اجعل لنا إلها كما لهم آلهة)" حديث صحيح.والحجة في هذا: أن هؤلاء الصحابة، وإن كانوا حديثي عهد بكفر، فهم دخلوا في الدين بلا إله إلا الله، وهي تخلع الأنداد، وأصناف الشرك، وتوحد المعبود، فمع ذلك ومع معرفة قائليها الحقة بمعنى لا إله إلا الله، خفي عليهم بعض المسائل من أفرادها، وإنما الشأن أنه إذا وضح الدليل، وأبينت الحجة، فيجب الرجوع إليها والتزامها، والجاهل قد يعذر، كما عذر أولئك الصحابة في قولهم: "اجعل لنا ذات أنواط"، وغيرهم من العلماء أولى باحتمال أن يخفى عليهم بعض المسائل ولو في التوحيد والشرك.ثالثا: كيف يتجاسر أحد أن يعارض نصوص كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بقول حكاه حاك مستحسنا له، والله سبحانه يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور: 63].قال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته، يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة) أتدري ما الفتنة؟.الفتنة: الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك. رواه عن أحمد الفضل بن زياد وأبو طالب، ولعله في كتاب "طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم" لأحمد رحمه الله.فطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على طاعة كل أحد، وإن كان خير هذه الأمة أبا بكر وعمر، كما قال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر.فكيف لو رأى ابن عباس هؤلاء الناس الذين يعارضون السنة الثابتة، والحجة الواضحة بقول أعرابي في قصة العتبى الضعيفة المنكرة.إن السنة في قلوب محبيها أعظم وأغلى من تلك الحجج المتهافتة، التي يدلي بها صاحب المفاهيم البدعية، تلك المفاهيم المبنية على المنامات والمنكرات، فاعجب لهذا، وجرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحذار ثم حذار من أن ترد الأحاديث الصحيحة وتؤمن بالأخبار الباطلة الواهية، فيوشك بمن فعل ذلك أن يقع في قلبه فتنة فيهلك.رابعا: ما من عالم إلا ويرد عليه في مسائل اختارها إما عن رأي، أو عن ضعف حجة، وهم معذورون قبل إيضاح المحجة بدلائلها، ولو تتبع الناس شذوذات المجتهدين ورخصهم، لخرجوا عن دين الإسلام إلى دين آخر، كما قيل: من تتبع الرخص تزندق، ولو أراد مبتغ الفساد والعدول عن الصراط أن يتخذ له من رخصهم سلما يرتقي به إلى شهواته لكان الواجب على الحاكم قمعه وصده، وتعزيره، كما هو مشهور في فقه الأئمة الأربعة، وغيرهم.وما ذكر ففيه أن من أحال لتبرير جرمه على قول عالم، عُلم خطؤه فيه أنه يقبل منه ولا يؤخذ بالعتاب.اللهم احفظ علينا ديننا، وتوحيدنا.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رّسُولٍ أِلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنّهُمْ إِذ ظّلَمُوَاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوّاباً رّحِيماً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : لم نرسل يا محمد رسولاً إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليه ، يقول تعالى ذكره : فأنت يا محمد من الرسل الذين فرضت طاعتهم على من أرسلته إليه . وإنما هذا من الله توبيخ للمحتكمين من المنافقين الذين كانوا يزعمون أنهم يؤمنون بما أنزل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما اختصموا فيه إلى الطاغوت ، صدودا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . يقول لهم تعالى ذكره : ما أرسلت رسولاً إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليه ، فمحمد صلى الله عليه وسلم من أولئك الرسل ، فمن ترك طاعته والرضا بحكمه واحتكم إلى الطاغوت ، فقد خالف أمري وضيع فرضي . ثم أخبر جلّ ثناؤه أن من أطاع رسله ، فإنما يطيعهم بإذنه ، يعني بتقديره ذلك وقضائه السابق في علمه ومشيئته . كما :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قول الله : { إلاّ لِيُطاعَ بإذْنِ اللّهِ } واجب لهم أن يطيعه من شاء الله ، ولا يطيعهم أحد إلا بإذن الله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

وإنما هذا تعريض من الله تعالى ذكره لهؤلاء المنافقين بأن تركهم طاعة الله وطاعة رسوله والرضا بحكمه ، إنما هو للسابق لهم من خذلانه وغلبة الشقاء عليهم ، ولولا ذلك لكانوا ممن أذن له في الرضا بحكمه والمسارعة إلى طاعته .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أنّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابا رَحِيما } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الاَيتين ، الذين إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدّوا صدودا ، إذ ظلموا أنفسهم باكتسابهم إياها العظيم من الإثم في احتكامهم إلى الطاغوت وصدودهم عن كتاب الله وسنة رسوله ، إذا دعوا إليها جاءوك يا محمد حين فعلوا ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك ، جاءوك تائبين منيبين ، فسألوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم ، وسأل لهم الله رسوله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك . وذلك هو معنى قوله : { فاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرّسُولُ } .

وأما قوله : { لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّابا رَحِيما } فإنه يقول : لو كانوا فعلوا ذلك فتابوا من ذنوبهم لوجدوا الله توّابا ، يقول : راجعا لهم مما يكرهون إلى ما يحبون ، رحيما بهم في تركه عقوبتهم على ذنبهم الذي تابوا منه . وقال مجاهد : عني بذلك : اليهودي والمسلم اللذان تحاكما إلى كعب بن الأشرف .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ } . . . إلى قوله : { وَيُسَلّمُوا تَسْلِيما } قال : إن هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

{ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } بسبب إذنه في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه ، وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمه وإن أظهر الإسلام كان كافرا مستوجب القتل ، وتقريره أن إرسال الرسول لما لم يكن إلا ليطاع كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته ومن كان كذلك كان كافرا مستوجب القتل . { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بالنفاق أو التحاكم إلى الطاغوت . { جاؤوك } تائبين من ذلك وهو خبر أن وإذ متعلق به . { فاستغفروا الله } بالتوبة والإخلاص . { واستغفر لهم الرسول } واعتذروا إليك حتى انتصبت لهم شفيعا ، وإنما عدل الخطاب تفخيما لشأنه وتنبيها على أن من حق الرسول أن يقبل اعتذار التائب وإن عظم جرمه ويشفع له ، ومن منصبه أن يشفع في كبائر الذنوب . { لوجدوا الله توابا رحيما } لعلموه قابلا لتوبتهم متفضلا عليهم بالرحمة ، وإن فسر وجد بصادف كان توابا حالا ورحيما بدلا منه أو حالا من الضمير فيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

وقوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } تنبيه على جلالة الرسل ، أي : فأنت يا محمد منهم ، تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك ، و { ليطاع } ، نصب بلام كي ، و { بإذن الله } معناه بأمر الله ، وحسنت العبارة بالإذن ، إذ بنفس الإرسال تجب طاعته وإن لم ينص أمر بذلك ، ويصح تعلق الباء من قوله { بإذن } ب { أرسلنا } ، والمعنى وما أرسلنا بأمر الله أي بشريعته وعبادته من رسول إلا ليطاع ، والأظهر تعلقه ب «يطاع » والمعنى : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بأمر الله بطاعته .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وعلى التعليقين فالكلام عام اللفظ خاص المعنى ، لأنا نقطع أن الله تبارك وتعالى قد أراد من بعض خلقه ألا يطيعوا ، ولذلك خرجت طائفة معنى الإذن إلى العلم ، وطائفة خرجته إلى الإرشاد لقوم دون قوم ، وهذا تخريج حسن ، لأن الله إذا علم من أحد أنه يؤمن ووفقه لذلك فكأنه أذن له فيه ، وحقيقة الإذن : التمكين مع العلم بقدر ما مكن منه ، وقوله تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } الآية ، معناه : بالمعصية والنفاق ، ونقصها حظها من الإيمان و { استغفروا الله } معناه : طلبوا مغفرته ، وتابوا إليه رجعوا ، و { تواباً } : معناه راجعاً بعباده .