غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

58

ثم رغب مرة أخرى في طاعة الرسول فقال : { وما أرسلنا من رسول } أكثر النحاة على أن " من " صلة تفيد تأكيد النفي والتقدير : وما أرسلنا رسولاً . وقيل : المفعول محذوف والتقدير : وما أرسلنا من هذا الجنس أحداً . قال الجبائي : هذه الآية من أقوى الدلائل على بطلان مذهب المجبرة لكونها صريحة في أن معصية الناس غير مرادة لله تعالى . والجواب أن إرسال الرسل لأجل الطاعة لا ينافي كون المعصية مرادة لله تعالى ، على أن قوله : { بإذن الله } أي بتيسيره وتوفيقه وإعانته يدل على أن الكل بقضائه وقدره ، وكذا لو كان المراد بسبب إذن الله في طاعة الرسول .

قيل : في الآية دلالة على أنه لا رسول إلا ومعه شريعة فإنه لو دعا إلى شرع من قبله لكان المطاع هو ذلك المتقدم ، وفيها دلالة على أن الرسل معصومون عن المعاصي وإلا لم يجب إتباعهم في جميع أقوالهم وأفعالهم . { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بالتحاكم إلى الطاغوت { جاءوك } تائبين عن النفاق متنصلين عما ارتكبوا { فاستغفروا الله } من رد قضاء رسوله { واستغفر لهم الرسول } انتصب شفيعاً لهم إلى الله بعد اعتذارهم إليه من إيذائه برد قضائه { لوجدوا الله } لعلموه { تواباً رحيماً } ولم يقل : " واستغفرت لهم " لما في الالتفات عن الخطاب إلى ذكر الرسول تنبيه على أن شفاعة من اسمه الرسول من الله بمكان ، فالآية على هذا التفسير من تمام ما قبلها . وقال أبو بكر الأصم : " نزلت في قوم من المنافقين اصطلحوا على كيد في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا عليه لذلك الغرض فأتاه جبريل فأخبره به فقال صلى الله عليه وسلم : إن قوماً دخلوا يريدون أمراً لا ينالونه فليقوموا فليستغفروا الله حتى أستغفر لهم فلم يقوموا . فقال : ألا يقومون فلم يفعلوا فقال صلى الله عليه وسلم : قم يا فلان حتى عدّ اثني عشر رجلاً منهم فقاموا وقالوا : كنا عزمنا على ما قلت ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا أنفسنا فاستغفر لنا . فقال : الآن اخرجوا أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الاستغفار وكان الله أقرب إلى الإجابة . اخرجوا عني "

/خ70