فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

{ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ( 64 ) } .

{ وأما أرسلنا من رسول } من زائدة للتوكيد قاله الزجاج ، والمعنى وما أرسلنا رسولا { إلا ليطاع } فيما أمر به ونهى عنه ، وهذه لام كي ، والاستثناء مفرغ أي ما أرسلنا لشيء من الأشياء إلا للطاعة { بإذن الله } بعلمه وقيل بأمره وقيل بتوفيقه ، وفيه توبيخ وتقريع للمنافقين الذين تركوا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوا بحكم الطاغوت .

{ ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك من الطاغوت وغيره ، { جاءوك } متوسلين إليك تائبين من النفاق متنصلين عن جناياتهم ومخالفاتهم { فاستغفروا الله } لذنوبهم بالتوبة والإخلاص وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعا لهم فاستغفرت لهم ، وإنما قال { واستغفر لهم الرسول } على طريقة الالتفات لقصد التفخيم لشأن الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيما لاستغفاره وإجلالا للمجيء إليه { لوجدوا الله توابا رحيما } أي كثير التوبة عليهم والرحمة لهم .

وهذا المجيء يختص بزمان حياته صلى الله عليه وسلم ، وليس المجيء إليه يعني إلى مرقده المنور بعد وفاته صلى الله عليه وسلم مما تدل عليه الآية كما قرره في ( الصارم المنكى{[496]} ) ولهذا لم يذهب إلى هذا الاحتمال البعيد أحد من سلف الأمة وأئمتها لا من الصحابة ولا من التابعين ولا ممن تبعهم بالإحسان .


[496]:البخاري5/26، ومسلم4/1830، ولفظه عن عروة، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما.