تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا} (64)

الآية 64

وقوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } الآية يحتمل قوله تعالى : { بإذن الله } أي بمشيئة الله . وقيل : { بإذن الله } أي بأمر الله . وقيل : { ليطاع بإذن الله } أي بعلم الله . ومن قال : { بإذن الله } بمشيئة الله أي من أطاع الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يطيعه بمشيئته . وكذلك من عصاه إنما يعصيه بمشيئة من أطاعه ، أو عصاه ، فإنما ذلك كله بمشيئة الله ، ومن تأول إلا بإذن الله العليم يقول : إنه يعلم من يطيعه ومن يعصيه ؛ أي كل ذلك إنما يكون بعلمه لا عن غفلة منه وسهو كصنيع ملوك الأرض إنما يستقبلهم من العصيان والخلاف ( عن غفلة ){[5887]} منهم وسهو بالعواقب . فأما الله سبحانه وتعالى ، إذا بعث رسلا بعث على علم منه بالطاعة لهم وبالمعصية ، ما* بعثهم لما تنفعه طاعة أحد ، أو تضره معصية أحد ، إنما ضر ذلك عليهم ونفعه لهم .

ثم قالت المعتزلة في قوله تعالى : { وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع } أخبر أنه ما أرسل الرسول إلا ليطاع ، وبين الرسل من لم يطع . كيف لا ؟ يتتم أن من الفعل ما قد أراد عز وجل أن يفعل ، وأن يكون ، ولكن لم يكن على ما أخبر أنه ما أرسل الرسول من الرسل{[5888]} إلا ليطاع . ثم من قد كان من الرسل{[5889]} ، ولم يطع ؟ قيل : هو ما ذكر في آخره{ إلا ليطاع بإذن الله } أي بمشيئة الله . فمن شاء من الرسل أن يطاع فقد أطيع ، ومن شاء ألا يطاع فلم يطع . وكذلك من علم أنه يطاع ، فأرسله ليطاع ، فأطيع . ومن علم أنه لافي الأصل وم : الرسول . يطاع ، فلم يطع . ومن أرسل ليطاع{[5890]} ، بأمر ليكون عليه الأمر فذلك مستقيم ، ومن أرسل ليطاع بالأمر فلا يجوز أن يطاع .

وقوله تعالى أيضا : { يطاع بإذن الله } قيل بأمر الله ، وقد مر بيانه . وقيل : { ليطاع } بمشيئة الله ، فيطيعه كل من شاء الله : يعلم الله ، فهو في من يعلم أنه يطيعه ؛ إذ لا يجوز أن يعلم الطاعة ممن لا يكون .

والمعتزلة/101-ب/ ( تقول في هذا : إنه أخبر أنه أرسل الرسول ){[5891]} ليطاع ، ولم يطعه الكل ، وما يعبد من{[5892]} يكون أراد ليطاع ، وإن كان لا يطيعه الكل . فقلنا : إذ قال : { ليطاع بإذن الله } والإذن يتوجه إلى ما ذكرت . فعلى ذلك { ليطاع } ممن يطيعه لا غير ، فحصل الأمر على الدعوى ، وهو كقوله سبحانه وتعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات : 56 ) . ومعلوم أن الصغار منهم لا يعبدون ، فخرج الجزاء إلى الخصوص بالوجود ، لا أن كان في أمر أمر الإرادة في من وجد ، لا أنه في على أنه فيه يعلم . هو يرجع إلى بعض دون الكل . فمثله الإذن على إرادة المشيئة ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم } أي علموا أن حاصل ظلمهم راجع إليهم لأن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه وهم وضعوا أنفسهم في غير موضعها ، فإذا لم يعرفوا أنفسهم لم يعرفوا خالقها .

وقوله تعالى : { جاءوك فاستغفروا الله } أي جاؤوك مسلمين تائبين عن التحاكم إلى غيرك راضين بقضائك نادمين على ما كان منهم ، واستغفر لهم الرسول ، لو{[5893]} يشفع{ لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما } أي قابلا لتوبتهم .


[5887]:في الأصل وم: إنما يستقبلهم.
[5888]:في الأصل وم: لكنه.
[5889]:في الأصل وم:الرسول.
[5890]:في الأصل وم: أن يطاع.
[5891]:في الأصل وم: في هذا أنه أخبر أرسل.
[5892]:في الأصل وم:أن.
[5893]:في الأصل وم:إن.