تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (184)

ثم سلَّى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال : { فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك } أي : هذه عادة الظالمين ، ودأبهم الكفر بالله ، وتكذيب رسل الله وليس تكذيبهم لرسل الله ، عن قصور ما أتوا به ، أو عدم تبين حجة ، بل قد { جاءوا بالبينات } أي : الحجج العقلية ، والبراهين النقلية ، { والزبر } أي : الكتب المزبورة المنزلة من السماء ، التي لا يمكن أن يأتي بها غير الرسل .

{ والكتاب المنير } للأحكام الشرعية ، وبيان ما اشتملت عليه من المحاسن العقلية ، ومنير أيضا للأخبار الصادقة ، فإذا كان هذا عادتهم في عدم الإيمان بالرسل ، الذين هذا وصفهم ، فلا يحزنك أمرهم ، ولا يهمنك شأنهم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (184)

ثم قال تعالى مسليًا لنبيه{[6279]} صلى الله عليه وسلم : { فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }{[6280]} أي : لا يوهنك تكذيب{[6281]} هؤلاء لك ، فلك أسوة من قبلك من الرسل الذين كُذبوا مع ما جاؤوا به من البينات وهي الحجج والبراهين القاطعة { وَالزُّبُرِ } وهي الكتب المتلقاة من السماء ، كالصحف المنزلة على المرسلين { وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ } أي : البَين الواضح الجلي .


[6279]:في جـ: "لرسوله".
[6280]:في ر: "المبين".
[6281]:في جـ: "بتكذيب".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ جَآءُو بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُنِيرِ} (184)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَإِن كَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ جَآءُوا بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ } .

وهذا تعزية من الله جلّ ثناؤه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على الأذى الذي كان يناله من اليهود وأهل الشرك بالله من سائر أهل الملل . يقول الله تعالى له : لا يحزنك يا محمد كذب هؤلاء الذين قالوا : إن الله فقير ، وقالوا : إن الله عهد إلينا أن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ، وافتراؤهم على ربهم اغترارا بإمهال الله إياهم ، ولا يعظمنّ عليك تكذيبهم إياك ، وادّعاؤهم الأباطيل من عهود الله إليهم ، فإنهم إن فعلوا ذلك بك فكذّبوك ، كذبوا على الله ، فقد كذبت أسلافهم من رسل الله قبلك من جاءهم بالحجج القاطعة العذر ، والأدلة الباهرة العقل ، والاَيات المعجزة الخلق ، وذلك هو البينات . وأما الزبر : فإنه جمع زبور : وهو الكتاب ، وكل كتاب فهو زبور ، ومنه قول امرىء القيس :

لَمِنْ طَلَلٌ أبْصَرْتُهُ فَشَجانِي *** كَخَطّ زَبُورٍ فِي عَسِيبِ يَمَانِي

ويعني بالكتاب : التوراة والإنجيل ، وذلك أن اليهود كذّبت عيسى وما جاء به وحرّفت ما جاء به موسى عليه السلام من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وبدلت عهده إليهم فيه ، وأن النصارى جحدت ما في الإنجيل من نعته وغيرت ما أمرهم به في أمره .

وأما قوله : { المُنِيرِ } فإنه يعني : الذي ينير فيبين الحقّ لمن التبس عليه ويوضحه ، وإنما هو من النور والإضاءة ، يقال : قد أنار لك هذا الأمر ، بمعنى : أضاء لك وتبين ، فهو ينير إنارة ، والشيء المنير . وقد :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك : { فإنْ كَذّبوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } قال : يعزّى نبيه صلى الله عليه وسلم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { فإنْ كَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ } قال : يعزّي نبيه صلى الله عليه وسلم .

وهذا الحرف في مصاحف أهل الحجاز والعراق : «والزّبُرِ » بغير باء ، وهو في مصاحف أهل الشام : «وبالزبر » بالباء مثل الذي في سورة فاطر .