تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

{ 10 - 12 } { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ }

هذان المثلان اللذان ضربهما الله للمؤمنين والكافرين ، ليبين لهم أن اتصال الكافر بالمؤمن وقربه منه لا يفيده شيئًا ، وأن اتصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئًا مع قيامه بالواجب عليه .

فكأن في ذلك إشارة وتحذيرًا لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، عن المعصية ، وأن اتصالهن به صلى الله عليه وسلم ، لا ينفعهن شيئًا مع الإساءة ، فقال :

{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا } أي : المرأتان { تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ } وهما نوح ، ولوط عليهما السلام .

{ فَخَانَتَاهُمَا } في الدين ، بأن كانتا على غير دين زوجيهما ، وهذا هو المراد بالخيانة لا خيانة النسب والفراش ، فإنه ما بغت امرأة نبي قط ، وما كان الله ليجعل امرأة أحد من أنبيائه بغيًا ، { فَلَمْ يُغْنِيَا } أي : نوح ولوط { عَنْهُمَا } أي : عن امرأتيهما { مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ } لهما { ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ } .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمۡرَأَتَ نُوحٖ وَٱمۡرَأَتَ لُوطٖۖ كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمۡ يُغۡنِيَا عَنۡهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَقِيلَ ٱدۡخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّـٰخِلِينَ} (10)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: مَثّل الله مثلاً للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما.

ذُكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون. وأن خيانة امرأة لوط، أن لوطا كان يُسِرّ الضيف، وتَدُلّ عليه... عن الضحاك... قال: ما بغت امرأة نبيّ قط" فَخانَتاهُما "قال: في الدين خانتاهما.

عن ابن عباس... قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما... فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطا أحد خبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء...

وقوله: "فَلَمْ يُغْنيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئا" يقول: فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من الله لما عاقبهما على خيانتهما أزواجهما شيئا، ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء...

وقوله: "وَقِيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ" قال الله لهما يوم القيامة: ادخلا أيتها المرأتان نار جهنم مع الداخلين فيها.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

جائز أن يكون هذا المثل لمكان الكفرة الذين لهم برسول الله صلى الله عليه وسلم اتصال من حرمة القرابة، فكانوا يطمعون منه الشفاعة في الآخرة، إن كان الأمر على ما ذكر محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم عرفوه بالشفقة والرحمة على الخلق جملة. فكيف يدع شفقته ورحمته على قرابته، وهو يراهم يترددون في الهلاك؟ فبين لهم شأن امرأة نوح وامرأة لوط ما كان بينهما وبين نوح ولوط عليهما السلام من الاتصال لئلا يغتروا باتصالهم بالنبي صلى الله عليه وسلم. وجائز أن يكون هذا في بدء الإسلام في الوقت الذي ينفرد الآباء بالإسلام دون الأبناء، والأبناء دون الآباء، فيكون المثل لمكان هؤلاء أولئك الذين التزموا، وداموا عليه، ولم يتبعوا آباءهم أو أبناءهم، فيقول: لا ينفع من دام على الكفر إسلام من أسلم منهم وإن كان بينهما قرب من جهة الأبوة والنبوة لأن رحمة الإنسان وشفقته على زوجته أكثر من شفقته على ما ذكرنا. وكذلك الاتصال. فإذا لم ينفعهما إسلام زوجتيهما، فكذلك لا ينفع أولئك الذين داموا على الكفر إسلام من أسلم من آبائهم. وجائز أن يكون هذا المثل لمكان أهل النفاق في ما أظهروا موافقة المؤمنين، وأسرّوا الخلاف له، فيخبر أنه لا ينفعهم إظهار موافقتهم في الدين إذا كانوا على خلافه في التحقيق كما لا ينفع زوجتي نوح ولوط عليهما السلام إظهار الموافقة منهما لزوجيهما إذا كانتا على خلافهما في السر، والله أعلم...

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

{وقيل ادخلا النار مع الداخلين} قطع الله بهذه الآية طمع كل من يركب المعصية أن ينفعه صلاح غيره...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

مثل الله عز وجل حال الكفار في أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم من غير إبقاء ولا محاباة، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كان بينهم وبينهم من لحمة نسب أو وصلة صهر؛ لأن عداوتهم لهم وكفرهم بالله ورسوله قطع العلائق وبت الوصل، وجعلهم أبعد من الأجانب وأبعد، وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبيا من أنبياء الله بحال امرأة نوح وامرأة لوط: لما نافقتا وخانتا الرسولين لم يغن الرسولان عنهما بحق ما بينهما وبينهما من وصلة الزواج إغناء ما من عذاب الله {وَقِيلَ} لهما عند موتهما أو يوم القيامة: {ادخلا النار مَعَ} سائر {الداخلين} الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء...

.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

وجاءت الكناية عن اسمهما العلمين بقوله: {عبدين من عبادنا}، لما في ذلك من التشريف بالإضافة إليه تعالى. ولم يأت التركيب بالضمير عنهما، فيكون تحتهما لما قصد من ذكر وصفهما بقوله: {صالحين}، لأن الصلاح هو الوصف الذي يمتاز به من اصطفاه الله تعالى بقوله في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وإنه في الآخرة لمن الصالحين}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ضرب الله} أي الملك الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً {مثلاً} يعلم به من فيه قابلية العلم ويتعظ به من له أهلية الاتعاظ {للذين كفروا} أي غطوا الحق على أنفسهم وعلى غيرهم سواء كانوا مشاققين أو منافقين في عدم انتفاعهم مع كفرهم بما بينهم وبين المؤمنين من الوصل والعلائق فيغلظ عليهم في الدارين معاملة بما يستحقون من غير محاباة لأحد وإن جل مقامه، وعلا منصبه ومرامه، لأن الكفر قاطع للعلائق بين الكافر والمسلم: {امرأت نوح} الذي أهلك الله من كذبه بالغرق ونصره وآواه عليه الصلاة والسلام... {وامرأت لوط} الذي أهلك الله أيضاً من كذبه بالحصب والخسف والإغراق... {كانتا} أي مع كونهما كافرتين. ولم يقل: تحتهما، بل أظهر بالوصف العبودية المضافة إليه سبحانه وتعالى والوصف بالصلاح لأن ذلك أفخم، فيكون أشد تأثيراً للموعوظ وأعظم، ودفعاً لأن يتوهم أحد بشيء لا يليق بمقامهما عليهما الصلاة والسلام فقال: {تحت عبدين} أي كل واحدة منهما تحت عبد، وعبر بذلك لأن أثر الناس عند الملك كما تقدم عبيده، ودل على كثرة عبيده تنبيهاً على غناه بقوله: {من عبادنا}. ولما كانت طبقات القرب متفاوتة بحسب الصلاح قال: {صالحين} وهما نوح ولوط عليهما الصلاة والسلام {فخانتاهما} بعدم المتابعة في الدين نفاقاً منهما لا بالخيانة في الفرش، فقد صان الله جميع الأنبياء من ذلك... {فلم} أي فتسبب عن ذلك أن العبدين الصالحين لم {يغنيا عنهما} أي المرأتين بحق الزواج {من الله} أي من عذاب الملك الذي له الأمر كله فلا أمر لغيره {شيئاً} أي من إغناء لأجل خيانتهما بالمخالفة في الدين، ودل على كمال قدرته تعالى بالتعبير بالمجهول فقال: {وقيل} أي للمرأتين ممن أذن له في القول النافذ الذي لا مرد له: {ادخلا النار} أي مقدماتها من الإصرار على الكفر ثم الإهلاك بعذاب الانتقام في الدنيا وحقيقتها في الآخرة لأن الله أبغضهما لأنهما عدو لأوليائه...

{مع الداخلين} أي الذين هم أعظم منهما ممن لهم وصلة بأهل الله وممن لا وصلة لهم بهم، فليتأدب كل أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم غاية الأدب خوفاً من مثل ذلك، وهذا خالع لقلوب من ابتدأ بتأديبهن -رضي الله تعالى عنهن...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فمعنى {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط}، أن الله جعل حالة هاتين المرأتين عظة وتنبيهاً للذين كفروا، أي ليُذكرهم بأن الله لا يصرفه عن وعيده صَارِف فلا يحسبوا أن لهم شفعاء عند الله، ولا أن مكانهم من جوار بيتِه وعمارة مسجده وسقاية حجيجه تصرف غضب الله عنهم، فإن هم أقلعوا عن هذا الحسبان أقبلوا على التدبر في النجاة من وعيده بالنظر في دلائل دعوة القرآن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم فلو كان صارف يصرف الله عن غضبه لكان أولى الأشياء بذلك مكانة هاتين المرأتين من زوجيهما رسولي رب العالمين. ومناسبة ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط دون غيرهما من قرابة الأنبياء نحو أبي إبراهيم وابن نوح عليهما السلام لأن ذكر هاتين المرأتين لم يتقدم. وقد تقدم ذكر أبي إبراهيم وابن نوح، لتكون في ذكرهما فائدة مستجدة، وليكون في ذكرهما عقب ما سبق من تمالُؤِ أُمي المؤمنين على زوجهما صلى الله عليه وسلم تعريض لطيف بالتحذير من خاطر الاعتزاز بغناء الصلة الشريفة عنهما في الوفاء بحق ما يجب من الإِخلاص للنبيء صلى الله عليه وسلم ليكون الشَّبه في التمثيل أقوى...

وانتصب {شيئاً} على المفعولية المطلقة ل {يغنيا} لأن المعنى شيئاً من الغنى، وتنكير {شيئاً} للتحقير، أي أقل غنى وأجحفه بَلْهَ الغنى المهم،... وزيادة {مع الداخلين} لإِفادة مساواتهما في العذاب لغيرهما من الكفرة الخونة. وذلك تأييس لهما من أن ينتفعا بشيء من حظوة زوجيهما...

الشعراوي – 1419هـ.

... ولنفهم أن الاختيار في العقيدة هو الذي جعلهما من الكافرين، وأن الرسولين نوحا ولوطا لم يستطيعا إدخال الإيمان في قلبي الزوجتين، حتى يتأكد لدينا أن العقيدة لا يقدر عليها إلا الإنسان نفسه.

والحق سبحانه لم يذكرهما باسميهما ولم يشخصهما، لأن التشخيص هنا لا يفيد، فالمهم والمراد من الآية بيان أن الهداية بيد الله وحده، وأن النبي المرسل من الله لم يستطع هداية زوجته وأقرب الناس إليه، وأن للمرأة حرية عقيدة مطلقة...

والعبرة من القصة أن اختيار العقيدة هو أمر متروك للإنسان، فحرية العقيدة أساس واضح من أسس المنهج.

إذن: فالقدر المشترك هو حرية الاعتقاد، فلا سلطان لنوع على نوع، فلا يوجد رجل يرغم امرأة على عقيدة.