تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

قال اللّه تعالى : لا يستبعدوا ذلك ، فإنه [ عن ] قريب { مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهي نفخة الصور { تَأْخُذُهُمْ } أي : تصيبهم { وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي : وهم لا هون عنها ، لم تخطر على قلوبهم في حال خصومتهم ، وتشاجرهم بينهم ، الذي لا يوجد في الغالب إلا وقت الغفلة .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

قال الله تعالى : { ما ينظرون } أي : ما ينتظرون { إلا صيحة واحدة } : وهي نفخة إسرافيل { تأخذهم وهم يخصمون } أي : يختصمون في أمور دنياهم فيموتون في مكانهم ، وهذه نفخة الصعق . وفي " يخصمون " خمس قراءات : قرأ أبو عمرو وابن كثير : " وهم يخصمون " بفتح الياء والخاء وتشديد الصاد . وكذا روى ورش عن نافع . فأما أصحاب القراءات وأصحاب نافع سوى ورش فرووا عنه " يخصمون " بإسكان الخاء وتشديد الصاد على الجمع ببن ساكنين . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة : " وهم يخصمون " بإسكان الخاء وتخفيف الصاد من خصمه . وقرأ عاصم والكسائي " وهم يخصمون " بكسر الخاء وتشديد الصاد ، ومعناه يخصم بعضهم بعضا . وقيل : تأخذهم وهم عند أنفسهم يختصمون في الحجة أنهم لا يبعثون . وقد روى ابن جبير عن أبي بكر عن عاصم ، وحماد عن عاصم كسر الياء والخاء والتشديد . قال النحاس : القراءة الأولى أبينها ، والأصل فيها يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فنقلت حركتها إلى الخاء . وفي حرف أبي " وهم يختصمون " - وإسكان الخاء لا يجوز ؛ لأنه جمع بين ساكنين وليس أحدهما حرف مد ولين . وقيل : أسكنوا الخاء على أصلها ، والمعنى يخصم بعضهم بعضا فحذف المضاف ، وجاز أن يكون المعنى يخصمون مجادلهم عند أنفسهم فحذف المفعول . قال الثعلبي : وهي قراءة أبي بن كعب . قال النحاس : فأما " يخصمون " فالأصل فيه أيضا يختصمون ، فأدغمت التاء في الصاد ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين . وزعم الفراء أن هذه القراءة أجود وأكثر ، فترك ما هو أولى من إلقاء حركة التاء على الخاء واجتلب لها حركة أخرى وجمع بين ياء وكسرة ، وزعم أنه أجود وأكثر . وكيف يكون أكثر وبالفتح قراءة الخلق من أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينة ! وما روي عن عاصم من كسر الياء والخاء فللإتباع . وقد مضى هذا في " البقرة " {[13223]} في " يخطف أبصارهم " [ البقرة : 20 ] وفي " يونس " {[13224]} " يهدي " [ يونس : 35 ] . وقال عكرمة في قوله جل وعز : { إلا صيحة واحدة } قال : هي النفخة الأولى في الصور . وقال أبو هريرة : ينفخ في الصور والناس في أسواقهم : فمن حالب لقحة ، ومن ذارع ثوبا ، ومن مار في حاجة . وروى نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تقوم الساعة والرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فلا يطويانه حتى تقوم الساعة ، والرجل يليط{[13225]} حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتى تقوم الساعة ، والرجل يخفض ميزانه فما يرفعه حتى تقوم الساعة ، والرجل يرفع أكلته إلى فيه فما يبتلعها حتى تقوم الساعة ) . وفي حديث عبد الله بن عمرو : ( وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله - قال - فيصعق ويصعق الناس ) الحديث .


[13223]:انظر ج 1 ص 192 طبعة ثانية أو ثالثة.
[13224]:راجع ج 8 ص 341 طبعة أولى أو ثانية.
[13225]:يليط حوضه وفي رواية يلوط حوضه أي يطينه.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيۡحَةٗ وَٰحِدَةٗ تَأۡخُذُهُمۡ وَهُمۡ يَخِصِّمُونَ} (49)

قوله : { مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } وهذا جواب من الله لهم فيه وعيد لهم وتهديد ؛ أي وما ينتظرون إلا صيحة واحدة ، وهي النفخة الأولى ، وهي نفخة الفزع ؛ إذ ينفخ الملك العظيم في الصور نفخة الفزع الأكبر والناس في أسواقهم ومعايشهم وتجاراتهم يختصمون ويتشاجرون في أموالهم ومصالحهم . نواكل ذ

وقيل : هذه نفخة الصَّعْق ؛ إذ يهلك الناس والأحياء جميعا ولم يبق إلا الله الواحد القهار . ويعزز الله هذا قوله تعالى : { تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } أي تهلكهم صرعى وهم يخصم بعضهم بعضا في معاملاتهم وبياعاتهم .