تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

{ 68 } { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ }

يقول تعالى : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ } من بني آدم { نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } أي : يعود إلى الحالة التي ابتدأ حالة الضعف ، ضعف العقل ، وضعف القوة . { أَفَلَا يَعْقِلُونَ } أن الآدمي ناقص من كل وجه ، فيتداركوا قوتهم وعقولهم ، فيستعملونها في طاعة ربهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

قوله تعالى : " ومن نعمره ننكسه في الخلق " قرأ عاصم وحمزة " ننكسه " بضم النون الأولى وتشديد الكاف من التنكيس . الباقون " نَنْكُسه " بفتح النون الأولى وضم الكاف من نكست الشيء أنكسه نكسا قلبته على رأسه فانتكس . قال قتادة : المعنى أنه يصير إلى حال الهرم الذي يشبه حال الصبا . وقال سفيان في قوله تعالى : " ومن نعمره ننكسه في الخلق " إذا بلغ ثمانين سنة تغير جسمه وضعفت قوته . قال الشاعر :

من عاش أخلقتِ الأيام جِدَّتَهُ *** وخانَه ثِقَتَاهُ السمع والبصرُ

فطول العمر يصير الشباب هرما ، والقوة ضعفا ، والزيادة نقصا ، وهذا هو الغالب . وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من أن يرد إلى أرذل العمر . وقد مضى في " النحل " {[13232]} بيانه . " أفلا يعقلون " أن من فعل هذا بكم قادر على بعثكم . وقرأ نافع وابن ذكوان : " تعقلون " بالتاء . الباقون بالياء " .


[13232]:راجع ج 10 ص 140 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

قوله تعالى : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ ( 68 ) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ ( 69 ) لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } .

{ نُنَكِّسْهُ } من التنكيس وهو القلب . أو جعل الشيء أعلاه أسفله . نكسه ، أي قلبه على رأسه . ويقرأ القرآن منكوسا : أي يبتدئ به منن آخره ويختم بالفاتحة ، أو من آخر السورة فيقرأها إلى أولها مقلوبا{[3925]}

ذلك بيان من الله عن بالغ إرادته وعظيم قدرته في الخلق ، وهو هنا تنكيس المعمَّر ، وهو قلبه وجعله على عكس ما خلقه أولا ؛ وذلك أن الله – عز وعلا – خلق الإنسان ضعيفا في الجسد خُلوا من العقل والفهم والعلم . ثم جعله يمر في أطوار وينتقل من حال إلى حال حتى يبلغ أشده ويستكمل قوته من بسطة الجسم والعقل ثم يأخذ في تنكيسه في الخلق فيأخذ في التناقص والضعف شيئا فشيئا حتى يعود إلى حال شبيهة بحاله في الصبا من حيث الضعف في الجسد وهوان العقل وبساطة الفهم .

إن ذلك كله دليل ظاهر على أن الله – جلا وعلا – هو القوي المقتدر وأنه الصانع الحكيم الذي يفعل ما يشاء . وهو قوله : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } أي من نطلْ عمره { نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } يعني نقلبه فلا يزاد ضعفه في تزايد ، وقواه في انتقاص حتى يُفْضي إلى الهرم الشديد ثم الموت المحتوم .

قوله : { أَفَلا يَعْقِلُونَ } أفلا يتدبرون هذه الظاهرة ليعلموا أن الله قادر على كل شيء ، وأنهم مخلوقون للحياة الآخرة وهي دار القرار والبقاء عقب رحيلهم عن هذه الدار وهي دار الزوال والفناء .


[3925]:القاموس المحيط ص 746