تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (110)

ثم قال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } أي : من تجرأ على المعاصي واقتحم على الإثم ثم استغفر الله استغفارا تاما يستلزم الإقرار بالذنب والندم عليه والإقلاع والعزم على أن لا يعود . فهذا قد وعده من لا يخلف الميعاد بالمغفرة والرحمة .

فيغفر له ما صدر منه من الذنب ، ويزيل عنه ما ترتب عليه من النقص والعيب ، ويعيد إليه ما تقدم من الأعمال الصالحة ، ويوفقه فيما يستقبله من عمره ، ولا يجعل ذنبه حائلا عن توفيقه ، لأنه قد غفره ، وإذا غفره غفر ما يترتب عليه .

واعلم أن عمل السوء عند الإطلاق يشمل سائر المعاصي ، الصغيرة والكبيرة ، وسمي " سوءًا " لكونه يسوء عامله بعقوبته ، ولكونه في نفسه سيئًا غير حسن .

وكذلك ظلم النفس عند الإطلاق يشمل ظلمها بالشرك فما دونه . ولكن عند اقتران أحدهما بالآخر قد يفسر كل واحد منهما بما يناسبه ، فيفسر عمل السوء هنا بالظلم الذي يسوء الناس ، وهو ظلمهم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم .

ويفسر ظلم النفس بالظلم والمعاصي التي بين الله وبين عبده ، وسمي ظلم النفس " ظلما " لأن نفس العبد ليست ملكا له يتصرف فيها بما يشاء ، وإنما هي ملك لله تعالى قد جعلها أمانة عند العبد وأمره أن يقيمها على طريق العدل ، بإلزامها للصراط المستقيم علمًا وعملاً ، فيسعى في تعليمها ما أمر به ويسعى في العمل بما يجب ، فسعيه في غير هذا الطريق ظلم لنفسه وخيانة وعدول بها عن العدل ، الذي ضده الجور والظلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (110)

105

وبعد هذه الحملة الغاضبة على الخونة الأثمة ، والعتاب الشديد للمنافحين عنهم والمجادلين . يجيء تقرير القواعد العامة لهذه الفعلة وآثارها . وللحساب عليها والجزاء . ولقاعدة الجزاء عامة . القاعدة العادلة التي يعامل بها الله العباد . ويطلب إليهم أن يحاولوا محاكاتها في تعاملهم فيما بينهم ، وأن يتخلقوا بخلق الله - خلق العدل - فيها :

( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ، ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما . ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه . وكان الله عليما حكيما ) . . ومن يكسب خطيئة أو إثما ، ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينًا . .

إنها آيات ثلاث تقرر المبادىء الكلية التي يعامل بها الله عباده ؛ والتي يملك العباد أن يعاملوا بعضهم بعضا بها ، ويعاملوا الله على أساسها فلا يصيبهم السوء .

الآية الأولى تفتح باب التوبة على مصراعيه ، وباب المغفرة على سعته ؛ وتطمع كل مذنب تائب في العفو والقبول :

( ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ، ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيمًا . . ) إنه - سبحانه - موجود للمغفرة والرحمة حيثما قصده مستغفر منيب . . والذي يعمل السوء يظلم غيره . ويظلم نفسه . وقد يظلم نفسه وحدها إذا عمل السيئة التي لا تتعدى شخصه . . وعلى أية حال فالغفور الرحيم يستقبل المستغفرين في كل حين ؛ ويغفر لهم ويرحمهم متى جاءوه تائبين . هكذا بلا قيد ولا شرط ولا حجاب ولا بواب ! حيثما جاءوا تائبين مستغفرين وجدوا الله غفورا رحيما . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (110)

اعتراض بتذييل بين جملة { هَأنتم هَؤلاء جادلتم عنهم } وبين جملة : { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمَّت طائفة منهم أن يُضلّوك } [ النساء : 109 113 ] .

وعَمل السوء هو العصيان ومخالفة ما أمر به الشرع ونهى عنه . وظلم النفس شاع إطلاقه في القرآن على الشرك والكفر ، وأطلق أيضاً على ارتكاب المعاصي . وأحسنُ ما قيل في تفسير هذه الآية : أنّ عمل السوء أريد به عمل السوء مع الناس ، وهو الاعتداء على حقوقهم ، وأنّ ظلم النفس هو المعاصي الراجعة إلى مخالفة المرء في أحواله الخاصّة ما أمر به أو نُهيَ عنه .

والمراد بالاستغفار التوبة وطلب العفو من اللَّهِ عمّا مضى من الذنوب قبل التوبة ، ومعنى { يجد الله غفوراً رحيماً } يتحقّق ذلك ، فاستعير فعل { يجد } للتحقّق لأنّ فعل وَجد حقيقته الظَفَر بالشيء ومشاهدته ، فأطلق على تحقيق العفو والمغفرة على وجه الاستعارة . ومعنى { غفوراً رحيماً } شديد الغفران وشديد الرحمة وذلك كناية عن العموم والتعجيل ، فيصير المعنى يجد الله غافراً له راحماً له ، لأنّه عامّ المغفرةِ والرحمةِ فلا يخرج منها أحد استغفره وتاب إليه ، ولا يتخلّف عنه شمول مغفرته ورحمته زَمناً ، فكانت صيغة { غفوراً رحيماً } مع { يجد } دَالَّةً على القبول من كلّ تائب بفضل الله .