مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (110)

واعلم أنه تعالى لما ذكر الوعيد في هذا الباب أتبعه بالدعوة إلى التوبة ، وذكر فيه ثلاثة أنواع من الترغيب :

فالأول : قوله تعالى : { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما }

والمراد بالسوء القبيح الذي يسوء به غيره كما فعل طعمة من سرقة الدرع ومن رمى اليهودي بالسرقة والمراد بظلم النفس ما يختص به الإنسان كالحلف الكاذب ، وإنما خص ما يتعدى إلى الغير باسم السوء لأن ذلك يكون في الأكثر إيصالا للضرر إلى الغير ، والضرر سوء حاضر ، فأما الذنب الذي يخص الإنسان فذلك في الأكثر لا يكون ضررا حاضرا لأن الإنسان لا يوصل الضرر إلى نفسه .

واعلم أن هذه الآية دالة على حكمين : الأول : أن التوبة مقبولة عن جميع الذنوب سواء كانت كفرا أو قتلا ، عمدا أو غصبا للأموال لأن قوله { ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه } عم الكل الثاني : أن ظاهر الآية يقتضي أن مجرد الاستغفار كاف ، وقال بعضهم : أنه مقيد بالتوبة لأنه لا ينفع الاستغفار مع الإصرار ، وقوله { يجد الله غفورا رحيما } معناه غفورا رحيما له ، وحذف هذا القيد لدلالة الكلام عليه ، فإنه لا معنى للترغيب في الاستغفار إلا إذا كان المراد ذلك .