التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (110)

ثم فتح - سبحانه - بعد هذا التوبيخ الشديد للخائنين - باب التوبة لعباده فقال : { وَمَن يَعْمَلْ سواءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً } أى : ومن يعمل عملا سيئا يؤذى به غيره كما فعل طعمة باليهودى ، أو يظلم نفسه باتركاب الفواحش ، التى يعود معظم ضررها على نفسه كشرب الخمر ، وترك فرائض الله التى فرضها على عباده ؛ ثم بعد كل ذلك { يَسْتَغْفِرِ الله } بأن يتوب إليه توبة صادقة نصوحا " يجد الله " بفضله وكرمه { غَفُوراً رَّحِيماً } أى كثير الغفران لعباده التائبين ، واسع الرحمة إليهم .

والمراد بظلم النفس : الأعمال السيئة التى يعود ضررها ابتداء على فاعلها نفسه كشرب الخمر ، وترك الصلاة أو الصيام وما يشبه ذلك .

وإنما فسروا كل جملة بهذا التفسير للآخر لوجود المقابلة بينهما .

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : { وَمَن يَعْمَلْ سواءا } أى عملا قبيحا يسوء به غيره كما فعل طعمة بقتادة واليهودى { أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } بما يختص به كالحلف الكاذب . وقيل ومن يعمل سوءا من ذنب دون الشرك أو يظلم نفسه بالشرك . وهذا بعث لطعمة على الاستغفار والتوبة أو لقومه لما فرط منهم من نصرته والذنب عنه .

والتعبير " بثم " فى قوله { ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله } للإِشارة إلى ما بين المعصية والاستغفار من تفاوت معنوى شاسع . إذ المعصية تؤدى بفاعلها إلى الخسران أما الاستغفار الذى تصحبه التوبة الصادقة فيؤدى إلى الفلاح والسعادة .

وقوله { يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً } يفيد أن الله - تعالى - يستجيب لطلب الغفران من عبده متى تاب إليه وأناب ، لأنه - سبحانه - قد وصف نفسه بأن كثير المغفرة والرحمة لعباده متى أقبلوا على طاعته بقلب سليم ، ونية صادقة .