تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

{ وَالْمَلَكُ } أي : الملائكة الكرام { عَلَى أَرْجَائِهَا } أي : على جوانب السماء وأركانها ، خاضعين لربهم ، مستكينين لعظمته .

{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أملاك في غاية القوة إذا أتى للفصل بين العباد والقضاء بينهم بعدله وقسطه وفضله .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

13

ثم يغمر الجلال المشهد ويغشيه ، وتسكن الضجة التي تملأ الحس من النفخة والدكة والتشقق والانتثار . يسكن هذا كله ويظهر في المشهد عرش الواحد القهار :

( والملك على أرجائها ، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) . .

والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ، والعرش فوقهم يحمله ثمانية . . ثمانية أملاك أو ثمانية صفوف منها ، أو ثمانية طبقات من طبقاتهم ، أو ثمانية مما يعلم الله . لا ندري نحن من هم ولا ما هم . كما لا ندري نحن ما العرش ? ولا كيف يحمل ? ونخلص من كل هذه الغيبيات التي لا علم لنا بها ، ولم يكلفنا الله من علمها إلا ما قص علينا . نخلص من مفردات هذه الغيبيات إلى الظل الجليل الذي تخلعه على الموقف . وهو المطلوب منا أن تستشعره ضمائرنا . وهو المقصود من ذكر هذه الأحداث ليشعر القلب البشري بالجلال والرهبة والخشوع ، في ذلك اليوم العظيم ، وفي ذلك الموقف الجليل :

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

وجملة { والمَلَك على أرجائها } ، حال من ضمير { فهي } ، أي ويومئذٍ الملك على أرجائها .

و { المَلك } : أصله الواحد من الملائكة ، وتعريفه هنا تعريف الجنس وهو في معنى الجمع ، أي جنس المَلَك ، أي جماعة من الملائكة أو جميع الملائكة إذا أريد الاستغراق ، واستغراق المفرد أصرح في الدلالة على الشمول ، ولذلك قال ابن عباس : الكتابُ أكْثَرُ من الكُتب ، ومنه { ربّ إني وهَن العظمُ منّي } [ مريم : 4 ] .

والأرجاء : النواحي بلُغة هذيل ، واحدُها رجَا مقصوراً وألفه منقلبة عن الواو .

وضمير { أرجائها } عائد إلى { السماء .

والمعنى : أن الملائكة يعملون في نواحي السماء ينفّذون إنزال أهل الجنة بالجنة وسَوق أهل النار إلى النار .

وعرش الرب : اسم لما يحيط بالسماوات وهو أعظم من السماوات .

والمراد بالثمانية الذين يحملون العرش : ثمانيةٌ من الملائكة ، فقيل : ثمانية شخوص ، وقيل : ثمانية صُفوف ، وقيل ثمانية أعشار ، أي نحو ثمانين من مجموع عدد الملائكة ، وقيل غير ذلك ، وهذا من أحوال الغيب التي لا يتعلق الغرض بتفصيلها ، إذ المقصود من الآية تمثيل عظمة الله تعالى وتقريب ذلك إلى الأفهام كما قال في غير آية .

ولعل المقصود بالإِشارة إلى ما زاد على الموعظة ، هو تعليم الله نبيئه شيئاً من تلك الأحوال بطريقة رمزية يفتح عليه بفهم تفصيلها ولم يُرد تشغيلنا بعلمها .

وكأنَّ الدَّاعي إلى ذكرهم إجمالاً هو الانتقال إلى الأخبار عن عرش الله لئلا يكون ذكره اقتضاباً بعد ذكر الملائكة .

وروى الترمذي عن العباس بن عبد المطلب عن النبي حديثاً ذكر فيه أبْعَادَ ما بين السماوات ، وفي ذكر حملة العرش رموز ساقها الترمذي مساق التفسير لهذه الآية ، وأحد رواتِه عبد الله بن عُميرة عن الأحْنف بن قيس قال البخاري : لا نعلم له سماعاً عن الأحنف .

وهنالك أخبار غير حديث العباس لا يعبأ بها ، وقال ابن العربي فيها : إنها متلفقات من أهل الكتاب أو من شعر لأمية بن أبي الصلت ، ولم يصح أن النبي أنشد بين يديه فصدّقه . اه .

وضمير فوقهم } يعود إلى { المَلك } .

ويتعلق { فوقَهم } ب { يحمل عرش ربّك } وهو تأكيد لما دّل عليه يحمل من كون العرش عالياً فهو بمنزلة القيدين في قوله : { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه } [ الأنعام : 38 ] .

والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم وإضافة عرش إلى الله إضافة تشريف مثل إضافة الكعبة إليه في قوله : { وطهر بيتي للطائفين } الآية [ الحج : 26 ] ، والله منزه عن الجلوس على العرش وعن السكنى في بيت .

والخطاب في قوله : { تُعرضون } لجميع الناس بقرينة المقام وما بعد ذلك من التفصيل .

والعرض : أصله إمْرار الأشياء على من يريد التأمل منها مثل عرض السلعة على المشتري وعرض الجيش على أميره ، وأطلق هنا كناية عن لازمه وهو المحاسبة معَ جواز إرادة المعنى الصريح .

ومعنى { لا تخفى منكم خافية } : لا تخفى على الله ولا على ملائكته .

وتأنيث { خافية } لأنه وصف لموصوف مؤنث يقدر بالفَعلة من أفعال العباد ، أو يقدر بنفْس ، أي لا تختبىء من الحساب نفس أي أحد ، ولا يلتبس كافر بمؤمن ، ولا بارٌّ بفاجر .