تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

{ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } أي : هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا ، ودفع عنهم جدالُكم بعض ما تحذرون{[228]}  من العار والفضيحة عند الخَلْق ، فماذا يغني عنهم وينفعهم ؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة ، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ؟ { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ }

فمن يجادل عنهم من يعلم السر وأخفى ومن أقام عليهم من الشهود ما لا يمكن معه الإنكار ؟ وفي هذه الآية إرشاد{[229]}  إلى المقابلة بين ما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه ، وبين ما يفوت من ثواب الآخرة أو يحصل من عقوباتها .

فيقول من أمرته نفسه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسلا وتفريطا فما النفع الذي انتفعت به ؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة ؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران ؟

وكذلك إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة قال لها : هبك فعلت ما اشتهيت فإن لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات ، وفوات الثواب وحصول العقاب - ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها . وهذا من أعظم ما ينفع العبدَ تدبرُه ، وهو خاصة العقل الحقيقي . بخلاف الذي{[230]}  يدعي العقل ، وليس كذلك ، فإنه بجهله وظلمه يؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة ، ولو ترتب عليها ما ترتب . والله المستعان .


[228]:- في ب: ما يحذرون.
[229]:- في ب: الإرشاد.
[230]:- في ب: من.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

105

وتستمر الحملة التي يفوح منها الغضب ؛ على كل من جادل عن الخائنين :

( ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا . فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ؟ أم من يكون عليهم وكيلا ؟ ) . .

واللهم لا مجادل عنهم يوم القيامة ولا وكيل . فما جدوى الجدال عنهم في الدنيا وهي لا تدفع عنهم ذلك اليوم الثقيل ؟

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

وقوله تعالى : { ها أنتم هؤلاء } قد تقدمت وجوه القراءات فيه في سورة آل عمران ، والخطاب بهذه الآية للقوم الذين يتعصبون لأهل الريب والمعاصي ، ويندرج طي هذا العموم أهل النازلة ، ويحتمل أن يكون الخطاب لأهل التعصب في هذه النازلة وهو الأظهر عندي بحكم التأكيد ب { هؤلاء } وهي إشارة إلى حاضرين ، وقد تقدم إعراب مثل هذه الآية في سورة آل عمران ، و «والمجادلة » : المدافعة بالقول وهي من فتل الكلام وليه ، إذ الجدل الفتل{[4276]} ، وقوله تعالى : { فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة } وعيد محض ، أي إن الله يعلم حقيقة الأمر فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال ولا غيره ، كما فعلتم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، إذ هو بشر يقضي على نحو ما يسمع .


[4276]:- ومنه: رجل مجدول الخلق بمعنى: لطيف محكم الفتل- وقيل: المجادلة من الجدالة، وهي وجه الأرض، فكل واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها، قال العجاج: قد أركب الحالة بعد الحالة وأترك العاجز بالجدالة منعفرا ليس له محالة فالجدالة: الأرض، ومن ذلك قولهم: تركته مجدلا، أي: مطروحا على الجدالة.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

قوله { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم } استئناف أثاره قوله : { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } ، والمخاطب كلّ من يصلح للمخاطبة من المسلمين . والكلام جار مجرى الفرض والتقدير ، أو مجرى التعريض ببعض بني ظَفَر الذين جادلوا عن بني أبيرق .

والقول في تركيب { هأنتم هؤلاء } تقدّم في سورة البقرة ( 85 ) عند قوله تعالى : { ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم } وتقدّم نظيره في آل عمران ( 119 ) ها أنتم أولاء تحبّونهم ولا يحبّونكم .

و ( أمْ ) في قوله : { أمَّن يكون عليهم وكيلاً } مُنقطعة للإضراب الانتقالي . و ( مَن ) استفهام مستعمل في الإنكار .

والوكيل مضى الكلام عليه عند قوله تعالى : { وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } في سورة آل عمران ( 173 ) .