اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ جَٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (109)

" هَا " للتَّنْبِيه في " أنْتُم " ، و " هؤلاءِ " : مُبْتَدأ وخَبَر " جَادَلْتُم " جُمْلَة مبينة لِوُقُوع " أولاء " خبراً ؛ كما تَقُول لِبْعضِ الأسْخِيَاءِ : أنْتَ حَاتِمٌ تجود بِمَالِك ، وتُؤثِر على نَفْسك ، ويجُوز أن يكون " أولاء " اسماً مَوْصُولاً ، بمعنى : الَّذِين ، و " جادلْتُم " صلة وتقدَّم الكَلاَم على نَحْو { هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ } ، والجِدَال في اللُّغَة [ عبارة ]{[9663]} عَنْ شِدَّة المخَاصَمَةِ من الجَدَل وهو شدة الفتل ، وجَدْل الحَبْل : شدَّة فتله ، ورَجُل مَجْدُول كأنه فُتل ، والأجْدَل : الصَّقر ؛ لأنَّه [ من ] أشَدِّ الطُّيُور قُوَّة ؛ هذا قَوْل الزَّجَّاج ، والمَعْنَى : أن كل وَاحِدٍ [ من الخَصْمَيْن ]{[9664]} يريد فَتْل خَصْمه عن مَذْهَبه ، وصَرْفَه عن رَأيه بِطَريق الحجاج ، وقيل : الجِدَال من الجِدَالةِ ، وهي الأرض ، وكل واحد من الخصمين يروم قهر صاحبه ، وصرعه{[9665]} عن الجدالة ، وهذا خِطَاب مع قَوْم من المُؤمنين ، كانوا يذبُّون عن طعمة وَعن قوْمِهِ : بسبب أنهم كَانُوا في الظَّاهِرِ مسلِمين ، والمعنى : هَبُوا أنَّكم خَاصَمتُم عن طعمة وقَوْمِهِ في الدُّنْيَا ، فمن يُخَاصِم عَنْهم في الآخِرة إذَا أخَذَهم اللَّه بِعَذَابِه .

وقرأ أبيُّ بن{[9666]} كَعْب ، وعَبْد الله بن مَسْعُود : " وجَادَلْتُم عَنْه " يعني : طعمة .

وقوله : { فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } : استفهام تَوْبيخٍ وتَقْريعٍ ، و " من " استِفْهَامِيَّة في محلِّ رفع بالابتداء ، و " يُجَادِلُ " : خبره ، وقوله : { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } أم : مُنقَطِعَة وليست بعاطِفَةِ ، وظاهر عِبَارَة مَكِّي{[9667]} : أنها عاطفة ، فإنَّه قال : و " أمَّنْ يكُونُ " مثلها [ عطف عليها ، أي : مثل " مَنْ " في قوله : " فَمَنْ يُجَادِلُ " وهو في محَلِّ نظرٍ ؛ لأن في المنقطعة خِلافاً ، هل تُسمَّى عاطِفَة أم لا ]{[9668]} ، والوكيل الكفيل الذي وُكِّلَ إليه الأمْرُ في الحفظ والحماية و " على " هنا بمعنى اللام والمعنى : أمَّنْ يكون لهم وكيلاً ، أي من النبي يذب عنهم ، ويتولّى أمرهم ، ويحميهم من عَذَاب الله يوم القيامة .


[9663]:سقط في أ.
[9664]:سقط في ب.
[9665]:في ب: وصرفه.
[9666]:ينظر: البحر المحيط 3/360.
[9667]:ينظر: المشكل 1/205.
[9668]:سقط في أ.