ولكنهم { عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } أي : مضيعون لها ، تاركون لوقتها ، مفوتون لأركانها{[1481]} ، وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة ، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات ، والسهو عن الصلاة ، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم{[1482]} ، وأما السهو في الصلاة ، فهذا يقع من كل أحد ، حتى من النبي صلى الله عليه وسلم . ولهذا وصف الله هؤلاء بالرياء والقسوة وعدم الرحمة ، فقال : { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } .
ويروى أن هذه السورة نزلت في بعض المضطرين في الإسلام بمكة الذين لم يحققوا فيه ، وفتنوا فافتتنوا ، وكانوا على هذه الخلق من الغشم وغلظ العشرة والفظاظة على المسلمين ، وربما كان بعضهم يصلي أحياناً مع المسلمين مدافعة وحيرة ، فقال تعالى فيهم : { فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون } . قال ابن جريج : كان أبو سفيان ينحر كل أسبوع جزوراً فجاءه يتيم ، فقرعه بعصا فنزلت السورة فيه . وقال سعد بن أبي وقاص : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن { الذين هم عن صلاتهم ساهون } ، فقال : هم الذين يؤخرونها عن وقتها{[11998]} ، يريد والله أعلم تأخير ترك وإهمال ، وإلى هذا نحا مجاهد ، وقال قتادة : { ساهون } : هو الترك لها ، وهم الغافلون الذين لا يبالي أحدهم صلى أو لم يصل . وقال عطاء بن يسار : الحمد لله الذي قال : { عن صلاتهم } ، ولم يقل في صلاتهم . وفي قراءة ابن مسعود : «لاهون » بدل { ساهون } .
وقوله : { الذين هم عن صلاتهم ساهون } صفة { للمصلين } مقيِّدة لحكم الموصوف فإن الويل للمصلي الساهي عن صلاته لا للمصلي على الإطلاق .
فيكون قوله { الذين هم عن صلاتهم ساهون } ترشيحاً للتهكم الواقع في إطلاق وصف المصلين عليهم .
وعدي { ساهون } بحرف { عن } لإفادة أنهم تجاوزوا إقامة صلاتهم وتركوها ولا علاقة لهذه الآية بأحكام السهو في الصلاة .
وقوله : { الذين عن صلاتهم ساهون } يجوز أن يكون معناه الذين لا يؤدون الصلاة إلاّ رياء فإذا خلوا تركوا الصلاة .
ويجوز أن يكون معناه : الذين يصلون دون نية وإخلاص فهم في حالة الصلاة بمنزلة الساهي عما يفعل فيكون إطلاق { ساهون } تهكماً كما قال تعالى : { يراءون الناس ولا يذكرون اللَّه إلا قليلاً في المنافقين } في سورة النساء ( 142 ) .
و ( يراءون ) يقصدون أن يَرى الناسُ أنهم على حال حسن وهم بخلافه ليتحدث الناس لهم بمحاسنَ ما هم بموصوفين بها ، ولذلك كَثر أن تعطف السُّمعة على الرياء فيقال : رياء وسُمعة .
وهذا الفعل وارد في الكلام على صيغة المفاعلة ولم يسمع منه فعل مجرد لأنه يلازمه تكرير الإِراءة .
و{ الماعون } : يطلق على الإِعانة بالمال ، فالمعنى : يمنعون فضلهم أو يمنعون الصدقة على الفقراء . فقد كانت الصدقة واجبة في صدر الإِسلام بغير تعيين قبل مشروعية الزكاة .
وقال سعيد بن المسيب وابن شهاب : الماعون : المال بلسان قريش .
وروى أشهب عن مالك : الماعون : الزكاة ، ويشهد له قول الراعي :
قوم على الإِسلام لمّا يمنعوا *** ماعونهم ويضيِّعوا التهليلا
لأنه أراد بالتهليل الصلاة فجمع بينها وبين الزكاة .
ويطلق على ما يستعان به على عمل البيت من آنية وآلات طبخ وشدّ وحفر ونحو ذلك مما لا خسارة على صاحبه في إعارته وإعطائه . وعن عائشة : الماعون الماء والنار والملح . وهذا ذم لهم بمنتهى البخل . وهو الشح بما لا يزرئهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.