تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

{ 16 } { فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى }

أي : فلا يصدك ويشغلك عن الإيمان بالساعة ، والجزاء ، والعمل لذلك ، من كان كافرا بها ، غير معتقد لوقوعها .

يسعى في الشك فيها والتشكيك ، ويجادل فيها بالباطل ، ويقيم من الشبه ما يقدر عليه ، متبعا في ذلك هواه ، ليس قصده الوصول إلى الحق ، وإنما قصاراه اتباع هواه ، فإياك أن تصغي إلى من هذه حاله ، أو تقبل شيئا من أقواله وأعماله الصادرة عن الإيمان بها والسعي لها سعيها ، وإنما حذر الله تعالى عمن هذه حاله لأنه من أخوف ما يكون على المؤمن بوسوسته وتدجيله{[514]} وكون النفوس مجبولة على التشبه ، والاقتداء بأبناء الجنس ، وفي هذا تنبيه وإشارة إلى التحذير عن كل داع إلى باطل ، يصد عن الإيمان الواجب ، أو عن كماله ، أو يوقع الشبهة في القلب ، وعن النظر في الكتب المشتملة على ذلك ، وذكر في هذا الإيمان به ، وعبادته ، والإيمان باليوم الآخر ، لأن هذه الأمور الثلاثة أصول الإيمان ، وركن الدين ، وإذا تمت تم أمر الدين ، ونقصه أو فقده بنقصها ، أو نقص شيء منها . وهذه نظير قوله تعالى في الإخبار عن ميزان سعادة الفرق ، الذين أوتوا

الكتاب وشقاوتهم : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئون وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }

وقوله : { فَتَرْدَى } أي : تهلك وتشقى ، إن اتبعت طريق من يصد عنها ،


[514]:- كذا في ب، وفي أ: وتدخيله.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

9

فأما من فسدت فطرته واتبع هواه فيغفل ويجهل ، فيسقط ومصيره إلى الردى :

( فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ) . .

ذلك أن اتباع الهوى هو الذي ينشى ء التكذيب بالساعة . فالفطرة السليمة تؤمن من نفسها بأن الحياة الدنيا لا تبلغ فيها الإنسانية كمالها ، ولا يتم فيها العدل تمامه ، وأنه لا بد من حياة أخرى يتحقق فيها الكمال المقدر للإنسان ، والعدل المطلق في الجزاء على الأعمال .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

{ فلا يصدنك عنها } عن تصديق الساعة ، أو عن الصلاة . { من لا يؤمن بها } نهى الكافر أن يصد موسى عليه الصلاة والسلام عنها ، والمراد نهيه أن ينصد عنها كقولهم : لا أرينك ها هنا ، تنبيها على أن فطرته السليمة لو خليت بحالها لاختارها ولم يعرض عنها ، وأنه ينبغي أن يكون راسخا في دينه فإن صد الكافر إنما يكون بسبب ضعفه فيه . { واتبع هواه } ميل نفسه إلى اللذات المحسوسة المخدجة فقصر نظره عن غيرها . { فتردى } فتهلك بالانصداد بصده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

والضمير في قوله { عنها } عائد على ‹الساعة› ، يريد الإيمان بالساعة فأوقع الضمير عليها ، ويحتمل أن يعود على { الصلاة } [ طه : 14 ] وقالت فرقة المراد عن لا إله إلا الله ع : وهذا متجه ، والأولان أبين وجهاً . وقوله { فتردى } معناه تهلك والردى الهلاك ومنه قوله دريد بن الصمة : [ الطويل ]

تنادوا فقالوا أردت الخيل فارساً . . . فقلت أعبد الله ذلكمُ الردي ؟{[8093]}

وهذا الخطاب كله لموسى عليه السلام وكذلك ما بعده ، وقال النقاش : الخطاب ب { فلا يصدنك } لمحمد عليه السلام وهذا بعيد ، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «أكاد أخفيها من نفسي » وعلى هذه القراءة تركب ذلك القول المتقدم .


[8093]:البيت من قصيدة له يرثي بها أخاه عبد الله، وهو في الأغاني، والعيني، والحماسة، والشعر والشعراء، والجمهرة، ولباب الآداب، وتفسير البحر، وأردت: أهلكت، والردي: الهالك. يقول: حين أعلنوا أن الخيل قد أهلكت أحد الفرسان أحسست بالمصيبة وقلت: أهو عبد الله هذا الذي هلك؟ هذا والقصيدة هي الأصمعية الثامنة والعشرون.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

صيغ نهي موسى عن الصدّ عنها في صيغة نهي من لا يؤمن بالساعة عن أن يصدّ موسى عن الإيمان بها ، مبالغة في نهي موسى عن أدنى شيء يحول بينه وبين الإيمان بالساعة ، لأنه لما وجّه الكلام إليه وكان النّهي نهي غير المؤمن عن أن يصدّ موسى ، عُلم أنّ المراد نهي موسى عن ملابسة صدّ الكافر عن الإيمان بالساعة ، أي لا تكن ليّن الشكيمة لمن يصدك ولا تُصْغ إليه فيكون لينك له مجرئاً إياه على أن يصدك ، فوقع النهي عن المسبب .

والمراد النهي عن السبب ، وهذا الأسلوب من قبيل قولهم : لا أعرفنّك تفعل كذا ولا أرَينّك ههنا .

وزيادة { واتَّبَعَ هَواه } للإيماء بالصلة إلى تعليل الصدّ ، أي لا داعي لهم للصدّ عن الإيمان بالساعة إلا اتّباع الهوى دون دليل ولا شبهة ، بل الدليل يقتضي الإيمان بالساعة كما أشار إليه قوله { لِتُجزى كلُّ نفسسٍ بما تَسعى } .

وفرع على النهي أنّه إن صُدّ عن الإيمان بالساعة رَدِيَ ، أي هلك . والهلاك مستعار لأسْوأ الحال كما في قوله تعالى : { يهلكون أنفسهم } في سورة براءة ( 42 ) .

والتفريع ناشىء عن ارتكاب المنهِي لا على النهي ، ولذلك جيء بالتفريع بالفاء ولم يقع بالجزاء المجزوم ، فلم يقل : تَرْدَ ، لعدم صحة حلول ( إنْ ) مع ( لا ) عوضاً عن الجزاء ، وذلك ضابط صحة جزم الجزاء بعد النّهي .

وقد جاء خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام بطريقة الاستدلال على كلّ حكممٍ ، وأمرٍ أو نهي ، فابتدىء بالإعلام بأنّ الذي يُكلمه هو الله ، وأنه لا إله إلاّ هو ، ثمّ فرع عليه الأمر في قوله فاعْبُدني وأقِمِ الصلاة لِذِكري } ، ثم عقب بإثبات الساعة ، وعلل بأنها لتجزى كلّ نفس بما تسعى ، ثم فرع عليه النهي عن أن يصده عنها من لا يؤمن بها . ثم فرع على النهي أنه إن ارتكب ما نهي عنه هلك وخسر .