تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

{ وَكَذَلِكَ } حين وفقناه للتوحيد والدعوة إليه { نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : ليرى ببصيرته ، ما اشتملت عليه من الأدلة القاطعة ، والبراهين الساطعة { وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } فإنه بحسب قيام الأدلة ، يحصل له الإيقان والعلم التام بجميع المطالب .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

74

وكذلك استحق إبراهيم - عليه السلام - بصفاء فطرته وخلوصها للحق أن يكشف الله لبصيرته عن الأسرار الكامنة في الكون ، والدلائل الموحية بالهدى في الوجود :

( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض ، وليكون من الموقنين ) . .

بمثل هذه الفطرة السليمة ، وهذه البصيرة المفتوحة ؛ وعلى هذا النحو من الخلوص للحق ، ومن إنكار الباطل في قوة . . نري إبراهيم حقيقة هذا الملك . . ملك السماوات والأرض . . ونطلعه على الأسرار المكنونة في صميم الكون ، ونكشف له عن الآيات المبثوثة في صحائف الوجود ، ونصل بين قلبه وفطرته وموحيات الإيمان ودلائل الهدى في هذا الكون العجيب . لينتقل من درجة الإنكار على عبادة الآلهة الزائفة ، إلى درجة اليقين الواعي بالإله الحق . .

وهذا هو طريق الفطرة البديهي العميق . . وعي لا يطمسه الركام . وبصر يلحظ ما في الكون من عجائب صنع الله . وتدبر يتبع المشاهد حتى تنطق له بسرها المكنون . . وهداية من الله جزاء على الجهاد فيه . .

وكذلك سار إبراهيم - عليه السلام - وفي هذا الطريق وجد الله . . وجده في إدراكه ووعيه ، بعد أن كان يجده فحسب في فطرته وضميره . . ووجد حقيقة الألوهية في الوعي والإدراك مطابقة لما استكن منها في الفطرة والضمير .

فلنتابع الرحلة الشائقة مع فطرة إبراهيم الصادقة . . إنها رحلة هائلة وإن كانت تبدو هينة ميسرة ! رحلة من نقطة الإيمان الفطري إلى نقطة الإيمان الوعي ! الإيمان الذي يقوم عليه التكليف بالفرائض والشرائع ؛ والذي لا يكل الله - سبحانه - جمهرة الناس فيه إلى عقولهم وحدها ، فيبينه لهم في رسالات الرسل ، ويجعل الرسالة - لا الفطرة ولا العقل البشري - هي حجته عليهم ، وهي مناط الحساب والجزاء ، عدلا منه ورحمة ، وخبرة بحقيقة الإنسان وعلما . .

فأما إبراهيم - عليه السلام - فهو إبراهيم ! خليل الرحمن وأبو المسلمين . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

وقوله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } أي : تبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانية الله ، عَزَّ وجل ، في ملكه وخلقه ، وإنه لا إله غيره ولا رب سواه ، كقوله{[10911]} { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } [ يونس : 101 ] ، وقال { أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } [ الأعراف : 185 ] ، وقال { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } [ سبأ : 9 ] .

فأما ما حكاه ابن جرير وغيره ، عن مجاهد ، وعَطاء ، وسعيد بن جُبَيْر ، والسُّدِّي ، وغيرهم قالوا - واللفظ لمجاهد - : فرجت له السموات ، فنظر إلى ما فيهن ، حتى انتهى بصره إلى العرش ، وفرجت له الأرضون السبع ، فنظر إلى ما فيهن - وزاد غيره - : فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي فيدعوا عليهم ، فقال الله له : إني أرحم بعبادي منك ، لعلهم أن يتوبوا وَيُرَاجِعُوا . وقد روى ابن مَرْدُوَيه في ذلك حديثين مرفوعين ، عن معاذ ، وعلي [ بن أبي طالب ]{[10912]} {[10913]} ولكن لا يصح إسنادهما ، والله أعلم . وروى ابن أبي حاتم من طريق العَوْفي عن ابن عباس في قوله : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } فإنه تعالى جلا لَهُ الأمر ؛ سره وعلانيته ، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق ، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله : إنك لا تستطيع هذا . فرده [ الله ]{[10914]} - كما كان قبل ذلك - فيحتمل أن يكون كشف له عن بصره ، حتى رأى ذلك عيانا ، ويحتمل أن يكون عن بصيرته حتى شاهده بفؤاده وتحققه وعرفه ، وعلم ما في ذلك من الحكم الباهرة والدلالات القاطعة ، كما رواه الإمام أحمد والترمذي وصححه ، عن معاذ بن جبل [ رضي الله عنه ]{[10915]} في حديث المنام : " أتاني ربي في أحسن صورة فقال : يا محمد ، فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : لا أدري يا رب ، فوضع كفه{[10916]} بين كتفي ، حتى وجدت برد أنامله بين ثديي ، فتجلى لي كل شيء وعرفت . . . " وذكر الحديث{[10917]}

وقوله : { وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } قيل : " الواو " زائدة ، تقديره : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض ليكون من الموقنين ، كقوله : { [ وَكَذَلِكَ ]{[10918]} نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ } [ الأنعام : 55 ] .

وقيل : بل هي على بابها ، أي نريه ذلك ليكون عالما وموقنا .

/خ79


[10911]:في أ: "كما قال تعالى".
[10912]:زيادة من م، أ.
[10913]:أما حديث علي بن أبي طالب، فذكره السيوطي في الدر المنثور (3/302). وأما حديث معاذ بن جبل، فرواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (6700) من طريق ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه.
[10914]:زيادة من م.
[10915]:زيادة من أ.
[10916]:في أ: "يده".
[10917]:المسند (5/243) وسنن الترمذي برقم (3235) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، سالت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح".
[10918]:زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

{ وكذلك نري إبراهيم } ومثل هذا التبصير نبصره ، وهو حكاية حال ماضية . وقرئ : " ترى " بالتاء ورفع الملكوت ومعناه تبصره دلائل الربوبية . { ملكوت السماوات والأرض } ربوبيتها وملكها . وقيل عجائبها وبدائعها والملكوت أعظم الملك والتاء فيه للمبالغة . { وليكون من الموقنين } أي ليستدل وليكون ، أو وفعلنا ذلك ليكون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

وقوله تعالى : { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } الآية المتقدمة تقضي بهداية إبراهيم عليه السلام ، والإشارة هنا بذلك هي إلى تلك الهداية ، أي وكما هديناه إلى الدعاء إلى الله وإنكار الكفر أريناه ملكوت . و { نُري } لفظها الاستقبال ومعناها المضي ، وحكى المهدوي : أن المعنى وكما هديناك يا محمد فكذلك نري إبراهيم .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد إذ اللفظ لا يعطيه ، و { نُرِي } هنا متعدية إلى مفعولين لا غير فهي إما من رؤية البصر وإما من أرى التي هي بمعنى عرف ، ولو كانت من أرى بمعنى أعلم وجعلنا أعلم منقولة من علم التي تتعدى إلى مفعولين لوجب أن تتعدى أرى إلى ثلاثة مفاعيل ، وليس كذلك ولا يصح أن يقال : إن الثالث محذوف لأنه لا يجوز حذفه إذ هو الخبر في الجملة التي يدخل عليها علمت في هذا الموضع ، وإنما هي من علم بمعنى عرف ، ثم نقلت بالهمزة فتعدت إلى مفعولين ثم جعلت «أرى » بمنزلتها في هذه الحال ، وهذه الرؤية قيل رؤية البصر ، وروي في ذلك أن الله عز وجل فرج لإبراهيم السماوات والأرضين حتى رأى ببصره الملكوت الأعلى والملكوت الأسفل{[4983]} فإن صح هذا المنقول ففيه تخصيص لإبراهيم عليه السلام بما لم يدركه غيره ، قبله ولا بعده ، وهذا هو قول مجاهد قال : تفرجت له السماوات والأرضون فرأى مكانه في الجنة ، وبه قال سعيد بن جبير وسلمان الفارسي ، وقيل : هي رؤية بصر في ظاهر الملكوت وقع له معها من الاعتبار ورؤية القلب ما لم يقع لأحد من أهل زمنه الذين بعث إليهم ، قاله ابن عباس وغيره ، ففي هذا تخصيص ما على جهة التقييد بأهل زمنه ، وقيل هي رؤية قلب رأى بها ملكوت السماوات والأرض بفكرته ونظره ، وذلك ولا بد متركب على ما تقدم من رؤيته ببصره وإدراكه في الجملة بحواسه .

قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان الأخيران يناسبان الآية{[4984]} ، لأن الغاية التي نصبت له إنما هي أن يؤمن ويكون من جملة موقنين كثرة ، والإشارة لا محالة إلى من قبله من الأنبياء والمؤمنينن وبعده ، واليقين يقع له ولغيره وبالرؤية في ظاهر الملكوت والاستدلال به على الصانع والخالق لا إله إلا هو ، و { ملكوت } بناء مبالغة كجبروت ورهبوت ورحموت ، وقال عكرمة هو ملكوتي باليونانية أو بالنبطية ، وقرأ «ملكوث » بالثاء مثلثة وقرأ أبو السمال «مَلْكوت » بإسكان اللام وهي لغة ، و { ملكوت } بمعنى الملك ، والعرب تقول لفلان ملكوت اليمن أي ملكه ، واللام في { ليكون } متعلقة بفعل مؤخر تقديره وليكون من الموقنين أريناه ، والموقن : العالم بالشيء علماً لا يمكن أن يطرأ له فيه شك ، وقال الضحاك ومجاهد أيضاً إن الإشارة ها هنا { بملكوت السماوات } هي إلى الكواكب والقمر والشمس ، وهذا راجع وداخل فيما قدمناه من أنها رؤية بصر في ظاهر الملكوت ، وروي عن ابن عباس في تفسير { وليكون من الموقنين } قال جلى له الأمور سرها وعلانيتها فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق ، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله تعالى إنك لا تستطيع هذا ، فرده لا يرى أعمالهم{[4985]} .


[4983]:- أخرجه آدم بن أبي إياس، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في الأسماء والصفات- عن مجاهد.
[4984]:- قال ابن كثير يوضح المعنى المقصود من الآية: "أي نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما على وحدانية الله عز وجل في ملكه وخلقه، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، كقوله: {قل انظروا ماذا في السماوات والأرض}، {أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض}.
[4985]:- أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم- عن ابن عباس رضي الله عنهما (الدر المنثور). وفي كتب السنة أحاديث كثيرة في هذا الموضوع. وقد قال ابن كثير: "وأما ما حكاه ابن جرير وغيره عن مجاهد، وعطاء، وسعيد بن جبير، والسدي، وغيرهم: قالوا- واللفظ لمجاهد: (فرجت له السماوات فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع، فنظر إلى ما فيهن، وزاد غيره: فجعل ينظر إلى العباد على المعاصي ويدعو عليهم، فقال الله له: إني أرحم بعبادي منك، لعلهم أن يتوبوا أو يرجعوا)، وروى ابن مردويه في ذلك حديثين مرفوعين عن معاذ وعلي، ولكن لا يصح إسنادهما، والله أعلم." (اهـ-كلام ابن كثير 3/54).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

عطف على جملة : { قال إبراهيم لأبيه آزرَ أتتّخذ أصناماً آلهة } [ الأنعام : 74 ] . فالمعنى وإذ نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض إراءة لا إراءة أوضح منها في جنسها والإشارة بقوله : { وكذلك } إلى الإراء المأخوذ من قوله { نُري إبراهيم } أي مثل ذلك الإراء العجيب نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض . وهذا على طريقة قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمَّة وسطاً } [ البقرة : 143 ] . وقد تقدّم بيانه في سورة البقرة ، فاسم الإشارة في مثل هذا الاستعمال يلازم الإفراد والتذكير لأنَّه جرى مجرى المثل .

وقوله : { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } إشارة إلى حجّة مستنبطة من دلالة أحوال الموجودات على وجود صانعها .

والرؤية هنا مستعملة للانكشاف والمعرفة ، فالإراءة بمعنى الكشف والتعريف ، فتشمل المبصرات والمعقولات المستدلّ بجميعها على الحق وهي إراءة إلهام وتوفيق ، كما في قوله تعالى : { أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } [ الأعراف : 185 ] ، فإبراهيم عليه السلام ابتُدىء في أوّل أمره بالإلهام إلى الحقّ كما ابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤية الصادقة . ويجوز أن يكون المراد بالإراءة العلم بطريق الوحي . وقد حصلت هذه الإراءة في الماضي فحكاها القرآن بصيغة المضارع لاستحضار تلك الإراءة العجيبة كما في قوله تعالى : { الله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا } [ فاطر : 9 ] .

والملكوت اتَّفق أئمَّة اللغة على أنَّه مصدر كالرَغَبُوت والرّحَمُوت والرّهَبُوت والجَبَرُوت . وقالوا : إنّ الواو والتاء فيه للمبالغة . وظاهره أنّ معناه المِلك بكسر الميم لأنّ مصدر مَلك المِلك بكسر الميم ولمَّا كان فيه زيادة تفيد المبالغة كان معناه المِلك القوي الشديد . ولذلك فسَّره الزمخشري بالربوبية والإلهية . وفي « اللسان » : مُلْك الله وملكوته سلطانُه ولفلان ملكوت العراق ، أي سلطانه ومُلكه . وهذا يقتضي أنَّه مرادف للمُلك بضمّ الميم وفي طبعة « اللسان » في بولاق رُقمت على ميم مُلكه ضمّة .

وفي « الإتقان » عن عكرمة وابن عبَّاس : أنّ الملكوت كلمة نَبَطِيَّة . فيظهر أنّ صيغة ( فعلوت ) في جميع الموارد التي وردت فيها أنَّها من الصيغ الدخيلة في اللغة العربية ، وأنَّها في النبطيّة دالَّة على المبالغة ، فنقلها العرب إلى لغتهم لِما فيها من خصوصية القوّة . ويستخلص من هذا أنّ الملكوت يطلق مصدراً للمبالغة في المِلك ، وأنّ المُلك ( بالضمّ ) لما كان مِلكاً ( بالكسر ) عظيماً يطلق عليه أيضاً المَلَكُوت . فأمَّا في هذه الآية فهو مجاز على كلا الإطلاقين لأنَّه من إطلاق المصدر وإرادة اسم المفعول ، وهو المملوك ، كالخَلق على المخلوق ، إمَّا من المِلك بكسر الميم أو من المُلك بضمِّها .

وإضافة ملكوت السماوات والأرض على معنى ( في ) . والمعنى ما يشمله المُلك أو الملك ، والمُراد مُلك الله . والمعنى نكشف لإبراهيم دلائل مخلوقاتنا أو عظمة سلطاننا كشفاً يطلعه على حقائقها ومعرفة أن لا خالق ولا متصرّف فيما كشفنا له سوانا .

وعُطِف قوله : { وليَكون من الموقنين } على قوله : { وكذلك } لأنّ { وكذلك } أفاد كون المشبَّه به تعليماً فائقاً . ففهم منه أنّ المشبَّه به علّة لأمر مهمّ هو من جنس المشبَّه به . فالتقدير : وكذلك نُري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض إراء تبصير وفهم ليَعْلم علماً على وفق لذلك التفهيم ، وهو العلم الكامل وليكون من الموقنين . وقد تقدّم بيان هذا عند تفسير قوله تعالى : { وكذلك نفصِّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين } في هذه السورة [ 56 ] .

والموقن هو العالم علماً لا يقبل الشكّ ، وهو الإيقان . والمراد الإيقان في معرفة الله تعالى وصفاته . وقوله : وليكون من الموقنين } أبلغ من أن يقال : وليكون موقناً كما تقدّم عند قوله تعالى : { قد ضللت إذن وما أنا من المهتدين } في هذه السورة [ 56 ] .