فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

{ وكذلك } أي مثل تلك الإراءة { نري إبراهيم } والجملة معترضة قيل كانت هذه الرؤية بعين البصر ، وقيل بعين البصيرة ومعنى نرى أريناه حكاية حال ماضية أي أريناه ذلك ، وقد كان آزر وقومه يعبدون الأصنام والكواكب والشمس والقمر ، فأراد أن ينبههم على الخطأ وقيل : إنه ولد في سرب وجعل رزقه في أطراف أصابعه فكان يمصها ، وسبب جعله في السرب أن النمرود رأى رؤيا أن ملكه يذهب على يد مولود فأمر بقتل كل مولود .

{ ملكوت السموات والأرض } أي ملكهما وزيدت التاء والواو للمبالغة في الصفة ومثله الرغبوت والرهبوت ، مبالغة في الرغبة والهبة قيل أراد بملكوتهما ما فيهما من الخلق ، وقيل عجائبهما وبدائعهما وقيل آياتهما ، وقيل كشف الله عن ذلك حتى رأى إلى العرش وإلى أسفل الأرضين ، وقيل رأى من ملكوتهما ما قصه الله في هذه الآية .

قال ابن عباس : كشف ما بين السموات حتى نظر إليهن على صخرة والصخرة على حوت وهو الحوت الذي منه طعام الناس ، والحوت في سلسلة والسلسلة في خاتم العزة{[704]} .

وقال مجاهد : سلطانهما ، وقيل المراد بملكوتهما الربوبية والإلهية أي نريه ذلك ونوفقه لمعرفته بطريق الإستدلال التي سلكها ، قال قتادة : ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم ، وملكوت الأرض الجبال والشجر والبحار .

وهذه الأقوال لا تقتضي أن تكون الإراءة بصرية إذ ليس المراد بإراءة ما ذكر من الأمور الحسية مجرد تمكنه عليه السلام من إبصارها ومشاهدتها في أنفسها ، بل اطلاعه على حقائقها وتعريفها من حيث دلالتها على شؤونه عز وجل ، ولا ريب في أن ذلك ليس مما يدرك حسا كما ينبئ عنه اسم الإشارة المفصح عن كون المشار إليه أمرا بديعا فإن الإراءة البصرية المعتادة بمعزل من تلك المثابة .

{ وليكون من الموقنين } أي ليستدل به ويكون من أهل اليقين عيانا كما أيقن بيانا واليقين عبارة عن علم يحصل بسبب التأمل بعد زوال الشبهة ، قال ابن عباس : جلاله الأمر سرا وعلانية فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق ، أو المعنى أريناه ذلك ليكون ممن يوقن علم كل شيء حسا وخبرا .


[704]:هذا لا يصح لأنه من عالم الغيب والغيب نقف فيه عند خبر المعصوم.