أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : الشمس والقمر والنجوم .
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : كشف ما بين السماوات والأرض حتى نظر إليهن على صخرة ، والصخرة على حوت ، وهو الحوت الذي منه طعام الناس ، والحوت في سلسلة والسلسلة في خاتم العزة .
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس { ملكوت السماوات والأرض } قال : ملك السماوات والأرض قال : سلطانهما .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : إنما هو ملك السماوات والأرض ، ولكنه بلسان النبطية ملكوثا .
وأخرج آدم بن أبي إياس وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : آيات فرجت له السماوات السبع ، فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى بصره إلى العرش ، وفرجت له الأرضون السبع فنظر إلى ما فيهن .
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : قام على صخرة ففرجت له السماوات السبع حتى ننظر إلى العرش وإلى منزله من الجنة ، ثم فرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى الصخرة التي عليها الأرضون ، كذلك قوله { وآتيناه أجره في الدنيا } [ العنكبوت : 27 ] .
وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : رأيت ربي في أحسن صورة فقال : فيم يختصم الملأ الأعلى يا محمد ؟ قال : قلت أنت أعلم أي رب . . . ! قال : فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي . قال : فعلمت ما في السماوات والأرض ، ثم تلا هذه الآية { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين } ثم قال : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قال : قلت : في الدرجات والكفارات قال : وما الكفارات ؟ قلت : نقل الأقدام إلى الجماعات ، والمجالس في المساجد خلاف الصلوات ، وإبلاغ الوضوء أماكنه في المكروه ، فمن يفعل ذلك يعش بخير ويمت بخير ، ويكن من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه ، وأما الدرجات فبذل السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام ، قال : قل اللهم إني أسألك الطيبات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني ، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعلموهن فإنهن حق » .
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض أشرف على رجل على معصية من معاصي الله فدعا عليه فهلك ، ثم أشرف على آخر على معصية من معاصي الله فدعا فهلك ، ثم أشرف على آخر فذهب يدعو عليه ، فأوحى الله إليه : أن يا إبراهيم أنك رجل مستجاب الدعوة فلا تدع على عبادي ، فإنهم مني على ثلاث : إما أن يتوب فأتوب عليه ، وإما أن أخرج من صلبه نسمة تملأ الأرض بالتسبيح ، وإما أن أقبضه إلي فإن شئت عفوت وإن شئت عاقبت » .
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن عطاء قال : لما رفع إبراهيم إلى ملكوت السماوات أشرف على عبد يزني فدعا عليه فأهلك ، ثم رفع أيضاً فأشرف على عبد يزني فدعا عليه فأهلك ، ثم رفع أيضاً فأشرف على عبد يزني ، فأراد أن يدعو عليه فقال له ربه : على رسلك يا إبراهيم ، فإنك عبد مستجاب لك ، وإني من عبدي على إحدى ثلاث خلال : إما أن يتوب إلي فأتوب عليه ، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة ، وإما أن يتمادى فيما هو فيه فأنا من ورائه .
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن شهر بن حوشب في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : رفع إبراهيم إلى السماء فنظر أسفل منه ، فرأى رجلاً على فاحشة فدعا فخسف به حتى دعا على سبعة كلهم يخسف به ، فنودي يا إبراهيم رفه عن عبادي ثلاث مرار إني من عبدي بين ثلاث ، إما أن يتوب فأتوب عليه ، وإما أن استخرج من صلبه ذرية مؤمنة ، وإما أن يكفر فحسبه جهنم .
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب من طريق شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله وعليه وسلم قال « لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض أبصر عبداً على خطيئة فدعا عليه ، ثم أبصر عبداً على خطيئة فدعا عليه ، فأوحى الله إليه : يا إبراهيم إنك عبد مستجاب الدعوة فلا تدع على أحد فإني من عبدي على ثلاث : إما أن أخرج من صلبه ذرية تعبدني ، وإما أن يتوب في آخر عمره فأتوب عليه ، وإما أن يتولى فإن جهنم من ورائه » .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ عن سلمان الفارسي قال : لما رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض رأى رجلاً على فاحشة فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه ، فأوحى الله إليه : أن يا إبراهيم مهلاً فإنك رجل مستجاب لك ، وإني من عبدي على ثلاث خصال : إما أن يتوب قبل الموت فأتوب عليه ، وإما أن أخرج من صلبه ذرية يذكروني ، وإما أن يتولى فجهنم من ورائه .
وأخرج البيهقي في الشعب عن عطاء قال : لما رفع إبراهيم في ملكوت السماوات رأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك ، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا عليه فهلك ، ثم رفع فرأى رجلاً يزني فدعا فهلك ، ثم رأى رجلاً يزني فدعا فهلك . فقيل : على رسلك يا إبراهيم إنك عبد مستجاب لك ، وإني من عبدي على ثلاث : إما أن يتوب إلي فأتوب عليه ، وإما أن أخرج منه ذرية طيبة تعبدني ، وإما أن يتمادى فيما هو فيه فإن جهنم من ورائه .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض } قال : يعني خلق السماوات والأرض { وليكون من الموقنين } فإنه جلا له الأمر سره وعلانيته ، فلم يخف عليه شيء من أعمال الخلائق ، فلما جعل يلعن أصحاب الذنوب قال الله : إنك لا تستطيع هذا ، فرده الله كما كان قبل ذلك .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أن إبراهيم عليه السلام فر به من جبار مترف ، فجعل في سرب وجعل زرقه في أطرافه ، فجعل لا يمص أصبعاً من أصابعه إلا جعل الله له فيها رزقاً ، فلما خرج من ذلك السرب أراه الله ملكوت السماوات والأرض ، وأراه شمساً وقمراً ونجوماً وسحاباً وخلقاً عظيماً ، وأراه ملكوت الأرض فرأى جبالاً وبحوراً وأنهاراً وشجراً ومن كل الدواب وخلقاً عظيماً { فلما جن عليه الليل رأى كوكباً } ذكر لنا أن الكوكب الذي رأى الزهرة طلعت عشاء { قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين } علم أن ربه دائم لا يزول { فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي } رأى خلقاً أكبر من الخلق الأوّل { فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الظالمين ، فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر } أي أكبر خلقاً من الخلقين الأوّلين . وأبهى وأنور .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان من شأن إبراهيم عليه السلام أن أول ملك ملك في الأرض شرقها وغربها نمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح ، وكانت الملوك الذين ملكوا الأرض كلها أربعة : بن كنعان وسليمان بن داود ، وذو القرنين ، وبختنصر . مسلمين وكافرين ، وإنه طلع كوكب على نمرود ، ذهب بضوء الشمس والقمر ففزع من ذلك ، فدعا السحرة والكهنة والقافة والحازة فسألهم عن ذلك ! فقالوا : يخرج من ملكك رجل يكون على وجهه هلاكك وهلاك ملكك ، وكان مسكنه ببابل الكوفة فخرج من قريته إلى قرية أخرى ، وأخرج الرجال وترك النساء ، وأمر أن لا يولد مولود ذكر إلا ذبحه فذبح أولادهم .
ثم إنه بدت له حاجة في المدينة لم يأمن عليها إلا آزر أبا إبراهيم ، فدعاه فأرسله فقال له : أنظر لا تواقع أهلك . فقال له آزر أنا أضُنُّ بديني من ذلك ، فلما دخل القرية نظر إلى أهله فلم يملك نفسه إن وقع عليها ، ففر بها إلى قرية بين الكوفة والبصرة يقال لها ادر فجعلها في سرب ، فكان يتعهدها بالطعام وما يصلحها ، وإن الملك لما طال عليه الأمر قال : قول سحرة كذابين ارجعوا إلى بلدكم ، فرجعوا وولد إبراهيم فكان في كل يوم يمر به كأنه جمعة والجمعة كالشهر من سرعة شبابه ، ونسي الملك ذاك وكبر إبراهيم ولا يرى أن أحداً من الخلق غيره وغير أبيه وأمه ، فقال أبو إبراهيم لأصحابه : إن لي ابناً وقد خبأته فتخافون عليه الملك إن أنا جئت به ؟ قالوا : لا فائت به . فانطلق فأخرجه ، فلما خرج الغلام من السرب نظر إلى الدواب والبهائم والخلق ، فجعل يسأل أباه فيقول : ما هذا ؟ فيخبره عن البعير أنه بعير ، وعن البقرة أنها بقرة ، وعن الفرس أنها فرس ، وعن الشاة أنها شاة . فقال : ما لهؤلاء بد من أن يكون لهم رب .
وكان خروجه حين خرج من السرب بعد غروب الشمس ، فرفع رأسه إلى السماء فإذا هو بالكوكب وهو المشتري ، فقال : هذا ربي . فلم يلبث أن غاب قال : لا أحب رباً يغيب . قال ابن عباس : وخرج في آخر الشهر فلذلك لم ير القمر قبل الكوكب ، فلما كان آخر الليل رأى القمر بازغاً قد طلع قال : هذا ربي . فلما أفل يقول غاب { قال : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين } فلما أصبح رأى الشمس بازغة { قال : هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون } قال الله له : اسلم . قال : أسلمت لرب العالمين .
فجعل إبراهيم يدعو قومه وينذرهم ، وكان أبوه يصنع الأصنام فيعطيها أولاده فيبيعونها ، وكان يعطيه فينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه ، فيرجع إخوته وقد باعوا أصنامهم ، ويرجع إبراهيم بأصنامه كما هي ، ثم دعا أباه فقال { يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } [ مريم : 42 ] ثم رجع إبراهيم إلى بيت الآلهة فإذا هن في بهو عظيم مستقبل باب البهو صنم عظيم ، إلى جنبه أصغر منه بعضها إلى جنب بعض ، كل صنم يليه أصغر منه حتى بلغوا باب البهو ، وإذا هم قد جعلوا طعاماً بين يدي الآلهة وقالوا : إذا كان حين نرجع رجعنا وقد برحت الآلهة من طعامنا فأكلنا ، فلما نظر إليهم إبراهيم وإلى ما بين أيديهم من الطعام قال : ألا تأكلون ؟ فلما لم تجبه قال : ما لكم لا تنطقون ؟
ثم إن إبراهيم أتى قومه فدعاهم ، فجعل يدعو قومه وينذرهم ، فحبسوه في بيت وجمعوا له الحطب حتى أن المرأة لتمرض فتقول : لئن عافاني الله لأجمعن لإبراهيم حطباً ، فلما جمعوا له وأكثروا من الحطب ، حتى إن كان الطير ليمر بها فيحترق من شدة وهجها وحرها ، فعمدوا إليه فرفعوه إلى رأس البنيان ، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة : ربنا إبراهيم يحرق فيك .
قال أنا أعلم به ، فإن دعاكم فأغيثوه . وقال إبراهيم حين رفع رأسه إلى السماء : اللهم أنت الواحد في السماء وأنا الواحد في الأرض ، ليس أحد يعبدك غيري ، حسبي الله ونعم الوكيل . فقذفوه في النار ، فناداها فقال { يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم } [ الأنبياء : 69 ] وكان جبريل هو الذي ناداها . فقال ابن عباس : لو لم يتبع برداً سلاماً لمات إبراهيم من بردها ، ولم يبق يومئذ في الأرض نار إلا طفئت ظنت أنها هي تعنى ، فلما طفئت النار نظروا إلى إبراهيم ، فإذا هو ورجل آخر معه ورأس إبراهيم في حجره يمسح عن وجهه العرق ، وذكر أن ذلك الرجل ملك الظل ، فأنزل الله ناراً فانتفع بها بنو آدم ، وأخرجوا إبراهيم فأدخلوه على الملك ولم يكن قبل ذلك دخل عليه فكلمه .