بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ} (75)

ثم قال { وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ } والملكوت والملك بمعنى واحد . إلا أن الملكوت أبلغ مثل : رَهَبُوت وَرَحَمُوت كما يقال في المثل : رَهَبُوت خير من رَحَمُوت يعني : لأن ترهب خير من أن ترحم . يعني : لما أن إبراهيم بريء من دين أبيه أراه الله { ملكوت السماوات والأرض } يعني : عجائب السموات والأرض { وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين } يعني : لكي يكون من الموقنين . والواو زيادة كقوله : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خطاياكم وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لكاذبون } [ العنكبوت : 12 ] يعني : لكي نحمل ، وكذلك هاهنا { لِيَكُونَ مِنَ الموقنين } يعني : حتى يثبت على اليقين . قال بعضهم : صارت فرجة في السماء حتى رأى إلى سبع سماوات . وصارت فرجة في الأرض حتى رأى إلى تحت الصخرة . ويقال : حين عرج به إلى السماء ، فنظر إلى عجائب السموات . وروي عن عطاء أنه قال : لما رفع إبراهيم في ملكوت السماوات ، أشرف على عبد يزني فدعا عليه ، فهلك . ثم أشرف على آخر يزني فدعا عليه ، فهلك . ثم رأى آخر فأراد أن يدعو عليه ، فقال له ربه عز وجل : على رِسْلِك يا إبراهيم ، فإنك مستجاب لك ، وإني من عبدي على إحدى ثلاث خلال : إما أن يتوب فأتوب عليه ، وإما أن أُخرِج منه ذرية طيبة ، وإما أن يتمادى فيما هو فيه ، فأنا من ورائه أي أنا قادر عليه .

وروي عن سلمان الفارسي أنه قال : لما رأى إبراهيم ملكوت السموات ، رأى عَبْداً على فاحشة ، فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر على فاحشة ، فدعا عليه فهلك ، ثم رأى آخر على فاحشة فدعا عليه ، قال الله تعالى : أنْزِلوا عبدي كي لا يهلك عبادي .

ويقال : إنه كان يقول : أنا أرحم الخلق . فلما رأى المعصية فدعا عليهم ، قال الله تعالى : أنا أرحم بعبادي منك ، اهبط لعلّهم يرجعون . ويقال إن نمرود بن كنعان قالت له كهنته : يولد في هذه السنة غلام ينازعك في ملكك ، فأمر بذبح كل غلام يولد في تلك السنة . ويقال : رأى في المنام ، أن كبشاً دخل عليه ، فنطح سريره بقرنه ، فسأل المعبِّرين فأخبروه ، أنه يولد غلام ينازعك في ملكك . فأمر بذبح كل غلام يولد . فحملت أم إبراهيم بإبراهيم ، ولم يتبيّن حملها ، ولم يعرف أحد أنها حامل ، حتى أخذها الطَّلْق فخرَّت إلى جبل من الجبال ، ودخلت في غار فولدت إبراهيم . وخرجت ووضعت صخرة على باب الغار . فجاءه جبريل عليه السلام ووضع إبهامه في فمه ، وكان يمصه ويخرج منه اللبن ، وكان يجعل سبّابته في فمه فيمصها ، ويخرج منها العسل . حتى كبر وأدرك في أيام قليلة . ويقال : إن أمه كانت تختلف إليه وترضعه حتى أرضعته سنتين ، وتحمل إليه الطعام حتى أدرك في المدة التي يدرك فيها الصبيان فخرج من الغار فنظر إلى السماء ، وإلى الأرض ، وإلى الجبال ، فتفكَر في نفسه ثم قال : إن لهذه الأشياء خالقاً خلقها . والذي خلق هذه الأشياء هو الذي خلقني فذلك قوله { وَكَذَلِكَ نُرِي إبراهيم مَلَكُوتَ السماوات والأرض وَلِيَكُونَ مِنَ الموقنين } وكان في ذلك التفكير إذا نظر إلى نجم يضيء وهو المشتري ، فرآه أضوَأ الكواكب . وقد علم أن الله تعالى أعلى الأشياء ولا يشبهه شيء من خلقه . ورأى الكواكب أعلى الأشياء وكان أحسنها .