تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

{ 22-24 } { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }

يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه وقدره : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ } وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق ، من خير وشر ، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ ، صغيرها وكبيرها ، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول ، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب ، ولكنه على الله يسير .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

16

ثم تجيء اللمسة الرابعة في إيقاع عميق ، عن قدر الله ، الذي لا يكون سواه :

( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها . إن ذلك على الله يسير . لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحب كل مختال فخور . الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ) . .

إن هذا الوجود من الدقة والتقدير بحيث لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدر من قبل في تصميمه ، محسوب حسابه في كيانه . . لا مكان فيه للمصادفة . ولا شيء فيه جزاف . وقبل خلق الأرض وقبل خلق الأنفس كان في علم الله الكامل الشامل الدقيق كل حدث سيظهر للخلائق في وقته المقدور . . وفي علم الله لا شيء ماض ، ولا شيء حاضر ، ولا شيء قادم . فتلك الفواصل الزمنية إنما هي معالم لنا - نحن أبناء الفناء - نرى بها حدود الأشياء . فنحن لا ندرك الأشياء بغير حدود تميزها . حدود من الزمان وحدود من المكان . نحن لا نملك إدراك المطلق إلا في ومضات تتصل فيها أرواحنا بذلك المطلق ، عن طريق غير الطريق الذي اعتدناه في إدراك الأشياء . فأما الله - سبحانه - فهو الحقيقة المطلقة التي تطلع جملة على هذا الوجود ، بلا حدود ولا قيود . وهذا الكون وما يقع فيه من أحداث وأطوار منذ نشأته إلى نهايته كائن في علم الله جملة لا حدود فيه ولا فواصل من زمان أو مكان . ولكل حادث موضعه في تصميمه الكلي المكشوف لعلم الله . فكل مصيبة - من خير أو شر فاللفظ على إطلاقه اللغوي لا يختص بخير ولا بشر - تقع في الأرض كلها وفي أنفس البشر أو المخاطبين منهم يومها . . هي في ذلك الكتاب الأزلي من قبل ظهور الأرض وظهور الأنفس في صورتها التي ظهرت بها . . ( إن ذلك على الله يسير ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ } أي : في الآفاق وفي نفوسكم { إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } أي : من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة .

وقال بعضهم : { مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } عائد على النفوس . وقيل : عائد على المصيبة . والأحسن عوده على الخليقة والبرية ؛ لدلالة الكلام عليها ، كما قال ابن جرير :

حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، عن منصور بن عبد الرحمن قال : كنت جالسًا مع الحسن ، فقال رجل : سله عن قوله : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } فسألته عنها ، فقال : سبحان الله ! ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ، ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة{[28301]}

وقال قتادة : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ } قال : هي السنون . يعني : الجَدْب ، { وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ } يقول : الأوجاع والأمراض . قال : وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ، ولا خلجان عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر .

وهذه الآية الكريمة من أدل دليل على القَدَرية نُفاة العلم السابق - قبحهم الله - وقال الإمام أحمد :

حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة وابن لَهِيعة قالا حدثنا أبو هانئ الخولاني : أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي يقول : سمعت عبد الله بن عَمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قدَّر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة " .

ورواه مسلم في صحيحه ، من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن يزيد ، وثلاثتهم عن أبي هانئ ، به . وزاد بن وَهب : " وكان عرشه على الماء " . ورواه الترمذي وقال : حسن صحيح {[28302]}

وقوله : { إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } أي : أن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله ، عز وجل{[28303]} ؛ لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون .


[28301]:- (1) تفسير الطبري (27/135).
[28302]:- (2) المسند (2/169) وصحيح مسلم برقم (2653) وسنن الترمذي برقم (2156).
[28303]:- (3) في أ: "تعالى".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

ما أصاب من مصيبة في الأرض كجدب وعاهة ولا في أنفسكم كمرض وآفة إلا في كتاب إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى من قبل أن نبرأها نخلقها والضمير لل مصيبة أو الأرض أو للأنفس إن ذلك أي إثباته في كتاب على الله يسير لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة .