لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

قوله جلّ ذكره : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِبيَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } .

المصيبة حَصْلةٌ تقع وتحصل . فيقول تعالى : لا يحصل في الأرض ولا في أنفسكم شيءٌ إلا وهو مُثْبَتٌ في اللوح المحفوظ على الوجه الذي سبق به العِلْم ، وحقَّ فيه الحكم ؛ فقبل أن نخلق ذلك أثبتناه في اللوح المحفوظ .

فكلُّ ما حصل في الأرض من خصبٍ أو جدبٍ ، من سعة أو ضيق ، من فتنة أو استقامة وما حصل في النفوس من حزن أو سرور ، من حياةٍ أو موت كلُّ ذلك مُثبت في اللوح المحفوظ قبل وقوعه بزمان طويل .

وفي قوله : { مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا } دليلٌ على أن أكساب العباد مخلوقة لله سبحانه . وللعبدِ في العلم بأنَّ ما يصيبه : من بسطٍ وراحةٍ وغير ذلك من واردات القلوب من اللَّهِ - أشدُّ السرور وأتمُّ الإنْسِ ؛ حيث عَلِمَ أنه أُفْرِدَ بذلك بظهر غيبٍ منه ، بل وهو في كنز العَدَم ، ولهذا قالوا :

سقياً لمعهدك الذي لو لم يكن *** ما كان قلبي للصبابة معهدا