تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ} (22)

الآية 22 وقوله تعالى : { ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها } أي ذكرها في كتاب ، كان ذلك قبل أن [ نبرأ تلك ]{[20666]} المصائب ، أي نخلقها ؛ إذ لا يحتمل كون أنفس تلك المصائب في الكتاب قبل خلقها ، فدل أنه على كون ذكر المصائب فيه ، وهو كقوله : { والشجرة الملعونة في القرآن } [ الإسراء : 60 ] [ ليست عين تلك الشجرة في القرآن ]{[20667]} ولكن ذكرها فيه .

وعلى ذلك ما روي في الخبر أنه نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو ، أي نهى أن يسافر بالذي كتب فيه القرآن ، وإلا لم يكن عين القرآن في ذلك المصحف . فعلى ذلك ما ذكر من المصائب ، وذلك يخرج على المجاز دون الحقيقة ، والله أعلم .

ثم اختلف في قوله تعالى : { من قبل أن نبرأها } منهم من قال : من قبل أن نخلق تلك المصائب ، ومنه من قال : من قبل أن نبرأ تلك الأنفس والأرض ، والأول أظهر .

وقوله تعالى : { إن ذلك على الله يسير } يخرج على وجهين :

[ أحدهما : أن ]{[20668]} كثرة ما يصيب الخلق في أنفسهم وأموالهم يسير على الله غير شديد ، ليس كملوك الأرض لأن ما يصيب حشمهم وخدمهم من المصائب يشتد عليهم لما أن قوامهم بحشمهم وخدمهم ، ولهم منافع . فيخبر الله تعالى بهذا أن ليس له في بقاء الخلق منفعة ، ولا في ذهابهم وفنائهم ضرر ، فذلك يكون عليه يسير .

والثاني : أن كتابة ما لم يكن بعد ، ولم يخلق ، وعلمه قبل كونه ، على الله يسير هين ؛ يخبر أنه عالم في الأزل بكون الأشياء في أوقاتها ، لا يصعب عليه شيء ، ولا يشتد عليه العلم بها قبل كونها كما يشتد على الخلق ويصعب عليهم ، والله أعلم .

وفي الآية دلالة خلق أفعال العباد لأن اسم المصائب ، يقع على ما للخلق فيه صنع كما يقع على ما لا صنع لهم فيها .

ثم إضافة{[20669]} الله تعالى خلقها إلى أنفسها مطلقا بقوله : { من قبل أن نبرأها } دلت أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى .

ألا ترى أن الله تعالى سمى ما يصيب بأيدي الخلق مصيبة ، فقال : { قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون }[ التوبة : 52 ] وقال في آية أخرى : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم } ؟

قالت المعتزلة : يقال : أصابنا كذا [ في ما ]{[20670]} لا صنع للخلق [ في ذلك . فأما في ما [ فيه ]{[20671]} صنع للخلق ]{[20672]} فيقال{[20673]} : أصبنا بكم .

هذا فاسد ؛ فإنه جائز أن يقال في كل ما أصابك : أصبته ، وما [ أصابتك إصابته ]{[20674]} لأنه إذا أصابك شيء فقد أصبته ، وذلك جائز في اللغة ، والله أعلم .


[20666]:في الأصل: نبرأها تلك.
[20667]:من نسخة الحرم المكي، ساقطة من الأصل و م.
[20668]:في الأصل و م: أي.
[20669]:في الأصل و م: أضاف.
[20670]:ساقطة من الأصل و م.
[20671]:ساقطة من م.
[20672]:من م، ساقطة من الأصل.
[20673]:في الأصل و م: يقال.
[20674]:في الأصل و م: أصبته أصابتك.