ثم يغمر الجلال المشهد ويغشيه ، وتسكن الضجة التي تملأ الحس من النفخة والدكة والتشقق والانتثار . يسكن هذا كله ويظهر في المشهد عرش الواحد القهار :
( والملك على أرجائها ، ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) . .
والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ، والعرش فوقهم يحمله ثمانية . . ثمانية أملاك أو ثمانية صفوف منها ، أو ثمانية طبقات من طبقاتهم ، أو ثمانية مما يعلم الله . لا ندري نحن من هم ولا ما هم . كما لا ندري نحن ما العرش ? ولا كيف يحمل ? ونخلص من كل هذه الغيبيات التي لا علم لنا بها ، ولم يكلفنا الله من علمها إلا ما قص علينا . نخلص من مفردات هذه الغيبيات إلى الظل الجليل الذي تخلعه على الموقف . وهو المطلوب منا أن تستشعره ضمائرنا . وهو المقصود من ذكر هذه الأحداث ليشعر القلب البشري بالجلال والرهبة والخشوع ، في ذلك اليوم العظيم ، وفي ذلك الموقف الجليل :
{ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا } الملك : اسم جنس ، أي : الملائكة على أرجاء السماء .
قال ابن عباس : على ما لم يَهِ منها ، أي : حافتها . وكذا قال سعيد بن جبير ، والأوزاعي . وقال الضحاك : أطرافها . وقال الحسن البصري : أبوابها . وقال الربيع بن أنس في قوله : { وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا } يقول : على ما استدق من السماء ، ينظرون إلى أهل الأرض .
وقوله : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أي : يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة . ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العرش العظيم ، أو : العرش الذي يوضع في الأرض يوم القيامة لفصل القضاء ، والله أعلم بالصواب . وفي حديث عبد الله بن عَميرة ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، في ذكر حَمَلة العرش أنهم ثمانية أوعال{[29276]} .
وقال ابن أبى حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد {[29277]} حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني أبو السمح البصري ، حدثنا أبو قَبيل حُيَي بن هانئ : أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول : حملة العرش ثمانية ، ما بين مُوق أحدهم إلى مؤخر عينه مسيرة مائة عام .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي قال : كتب إليّ أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري : حدثني أبي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أذنَ لي أن أحدثكم عن ملك من حَمَلة العرش : بُعْدُ ما بين شحمة أذنه وعنقه بخفق الطير سبعمائة عام " .
وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات . وقد رواه أبو داود في كتاب " السنة " من سننه : حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش : أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام " . هذا لفظ أبي داود{[29278]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يحيى بن المغيرة ، حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير في قوله : { وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } قال : ثمانية صفوف من الملائكة . قال : ورُوي عن الشعبي [ وعكرمة ]{[29279]} والضحاك . وابن جُرَيْج ، مثل ذلك . وكذا روى السُّدِّي عن أبي مالك ، عن ابن عباس : ثمانية صفوف . وكذا روى العوفي ، عنه .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : الكَرُوبيّون ثمانية أجزاء ، كل جنس{[29280]} منهم بقدر{[29281]} الإنس والجن والشياطين والملائكة .
والملك والجنس المتعارف بالملك على أرجائها جوانبها جمع رجا بالقصر ولعله تمثيل لخراب السماء بخراب البنيان وانضواء أهلها إلى أطرافها وحواليها وإن كان على ظاهره فلعل هلاك الملائكة أثر ذلك ويحمل عرش ربك فوقهم فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء أو فوق الثمانية لأنها في نية التقديم يومئذ ثمانية ثمانية أملاك لما روي مرفوعا أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة آخرين وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله ولعله أيضا تمثيل لعظمته بما يشاهد من أحوال السلاطين يوم خروجهم على الناس للقضاء العام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.