ثم قال [ تعالى ] : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }
لما بين تعالى عدم انقيادهم لما جاءت به الرسل ، وردهم لذلك بالتقليد ، علم من ذلك أنهم غير قابلين للحق ، ولا مستجيبين له ، بل كان معلوما لكل أحد أنهم لن يزولوا عن عنادهم ، أخبر تعالى ، أن مثلهم عند دعاء الداعي لهم إلى الإيمان كمثل البهائم التي ينعق لها راعيها ، وليس لها علم بما يقول راعيها ومناديها ، فهم يسمعون مجرد الصوت ، الذي تقوم به عليهم الحجة ، ولكنهم لا يفقهونه فقها ينفعهم ، فلهذا كانوا صما ، لا يسمعون الحق سماع فهم وقبول ، عميا ، لا ينظرون نظر اعتبار ، بكما ، فلا ينطقون بما فيه خير لهم .
والسبب الموجب لذلك كله ، أنه ليس لهم عقل صحيح ، بل هم أسفه السفهاء ، وأجهل الجهلاء .
فهل يستريب العاقل ، أن من دعي إلى الرشاد ، وذيد عن الفساد ، ونهي عن اقتحام العذاب ، وأمر بما فيه صلاحه وفلاحه ، وفوزه ، ونعيمه فعصى الناصح ، وتولى عن أمر ربه ، واقتحم النار على بصيرة ، واتبع الباطل ، ونبذ الحق - أن هذا ليس له مسكة من عقل ، وأنه لو اتصف بالمكر والخديعة والدهاء ، فإنه من أسفه السفهاء .
ومن ثم يرسم لهم صورة زرية تليق بهذا التقليد وهذا الجمود ، صورة البهيمة السارحة التي لا تفقه ما يقال لها ، بل إذا صاح بها راعيها سمعت مجرد صوت لا تفقه ماذا تعني ! بل هم أضل من هذه البهيمة ، فالبهمية ترى وتسمع وتصيح ، وهم صم بكم عمي :
( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء . صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) !
صم بكم عمي . ولو كانت لهم آذان والسنة وعيون . ما داموا لا ينتفعون بها ولا يهتدون . فكأنها لا تؤدي وظيفتها التي خلقت لها ، وكأنهم إذن لم توهب لهم آذان وألسنة وعيون .
وهذه منتهى الزراية بمن يعطل تفكيره ، ويغلق منافذ المعرفة والهداية ، ويتلقى في أمر العقيدة والشريعة من غير الجهة التي ينبغي أن يتلقى منها أمر العقيدة والشريعة . .
ثم ضرب لهم تعالى مثلا كما قال تعالى : { لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ } [ النحل : 60 ] فقال : { وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا } أي : فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها ، بل إذا نعق بها راعيها ، أي : دعاها إلى ما يرشدها ، لا تفقه ما يقول ولا تفهمه ، بل إنما تسمع صوته فقط .
هكذا روي عن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني والربيع بن أنس ، نحو هذا .
وقيل : إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئًا ، اختاره ابن جرير ، والأول أولى ؛ لأن الأصنام لا تسمع شيئًا ولا تعقله ولا تبصره ، ولا بطش لها ولا حياة فيها{[3055]} . وقوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } أي : صُمٌّ عن سماع الحق ، بُكْمٌ لا يتفوهون به ، عُمْيٌ عن رؤية طريقه ومسلكه { فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ } أي : لا يعقلون شيئًا ولا يفهمونه ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الأنعام : 39 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.