غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآءٗ وَنِدَآءٗۚ صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ} (171)

168

{ ومثل الذين كفروا } فيه للعلماء طريقان : أحدهما تصحيح المعنى بإضمار إما في المشبه أي مثل من يدعو الحق كمثل الذي ينعق يقال : نعق الراعي بالضأن إذا صاح بها . وأما نغق الغراب فبالغين المعجمة شبه الداعي إلى الحق براعي الغنم والكفرة بالغنم ووجه التشبيه أن البهيمة تسمع الصوت ولا تعلم المراد ، وهؤلاء الكفار يسمعون صوت الرسول وألفاظه وما كانوا ينتفعون بها فكأنهم لا يفهمون معانيها .

وإما بإضمار في المشبه به أي مثل الذين كفروا كبهائم الذي ينعق الطريق . الثاني : التصحيح بغير إضمار أي مثلهم في دعائهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع ، لكن قوله { لا دعاء ونداء } لا يساعد عليه لأن الأصنام لا تسمع شيئاً . أو مثلهم في دعائهم آلهتهم كمثل الناعق في دعائه عند الجبل فإنه لا يسمع إلا صدى صوته . فإذا قال : يا زيد . يسمع من الصدى يا زيد ، فكذلك هؤلاء الكفار إذا دعوا الأوثان لا يسمعون إلا ما تلفظوا به من الدعاء والنداء . أو مثلهم في قلة عقلهم حيث عبدوا الأوثان كمثل الراعي إذا تكلم مع البهائم . فكما أن الكلام مع البهائم دليل سخافة العقل فكذلك عبادتهم لها أي ومثلهم في اتباعهم آباءهم وتقليدهم لهم كمثل الذي يتكلم مع البهائم ، فكما أن ذلك عبث ضائع فكذا تقليدهم واتباعهم { صم } عن استماع الحق والانتفاع به { بكم } عن إجابة الداعي إلى سبيل الخير { عمي } عن النظر في الدلائل { فهم لا يعقلون } العقل المسموع ولا المطبوع وذلك أن طريق الاكتساب الاستعانة بالحواس ولهذا قيل : من فقد حساً فقد علماً . فلما فقدوا فائدة الحواس فكأنهم عدموها خلقة ، قال شابور بن أردشير : العقل نوعان : مطبوع ومسموع . فلا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه فإن أحدهما بمنزلة العين والآخر بمثابة الشمس ولا يكمل الإبصار إلا بتعاونهما . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن لكل شيء دعامة ودعامة عمل المرء عقله " فبقدر عقله تكون عبادته لربه . أما سمعتم قول الله عز وجلّ حكاية عن الفجار ؟

{ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } [ الملك : 10 ] وقال : " ما اكتسب المرء مثل عقل يهدي صاحبه إلى هدى ويرده عن ردى " .

/خ171