لما حكى عن الكفَّار أنَّهم عند الدُّعاء إلى اتِّباع ما أنزل الله تعالى ، تركوا النَّظر ، وأخلدوا إلى التَّقليد ، وقالوا : { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } - ضَرَبَ لهم هذا المثل ؛ تنبيهاً للسَّامعين لهم : أنهم إنما وقعوا فيه ؛ بسبب ترك الإصغاء ، وقلة الاهتمام بالدِّين ، فصيرهم من هذا الوجه بمنزلة الأنعام ، وضرب مثل هذا المثل يزيد السَّامع اجتهاداً في معرفة أحوال نفسه ، ويحقِّر إلى الكافر نفسه ، إذا سمع ذلك ، فيكون كسراً لقلبه ، وتضييقاً لصدره ؛ حيث صيَّره كالبهيمة ، فكان ذلك في نهاية الرَّدع والزَّجر لمن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقة التقليد .
وقد اختلف النَّاس في هذه الآية اختلافاً كثيراً ، ولا سبيل إلى معرفة الإعراب إلاَّ بعد معرفة المعنى المذكور في الآية الكريمة ، وقد اختلفوا في ذلك :
فمنهم من قال : معناها : أنَّ المثل مضروبٌ بتشبيه الكافر بالنَّاعق ، ومنهم من قال : هو مضروبٌ بتَشْبيه الكافر بالمَنْعوق به ، ومنهم مَنْ قال : هو مضْروبٌ بتشبيه داعي الكفر بالنَّاعق ، ومنهم مَنْ قال : هو مضروب بتشبيه الدَّاعي والكافر بالنَّاعق ، والمنعوق به ، فهذه أربعة أقوالٍ .
فعلى القول الأول : يكون التقدير : " وَمَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا في قِلَّة فَهْمِهِمْ ، كَمَثَلِ الرُّعَاة يُكَلِّمُون البُهْمَ والبُهْمُ لا تَعْقِلُ شيئاً " .
وقيل : يكون التقدير : " وَمَثَلُ الَّذين كَفَروا في دُعائهم آلِهَتَهُمْ التي لا تَفْقَهُ دُعَاءَهُم ، كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِغَنَمِهِ ؛ لا ينتفع من نَعِيقِهِ بشَيءٍ غير أنَّه في عناءٍ " ؛ وكذلك الكافرُ ليس له من دعائه آلهته إلاَّ العناء ؛ كما قال تعالى : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ } [ فاطر : 14 ] .
قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[2282]} لمَّا ذكر هذا القول : " إلاَّ أنَّ قوله : " إلاَّ دُعاءً وَنِدَاءً " ، لا يساعد عليه ؛ لأنَّ الأصنام لا تَسْمَعُ شيئاً " .
قال أبُو حَيَّان{[2283]} - رحمه الله- : " ولحظ الزمخشريُّ في هذا القول تمام التشبيه من كُلِّ جهة ، فكما أنَّ المنعوق به لا يَسْمَعُ إلاَّ دعاءً ونداءً ، فكذلك مدعُوُّ الكافِرِ مِنَ الصَّنم ، والصَّنَم لا يَسْمَعُ ، فضَعُف عنده هذا القوْلُ " قال : " ونحْنُ نقولُ : التشْبيهُ وقَعَ في مُطْلَق الدُّعاء في خُصوصيَّات المدعُوِّ ، فتَشْبِيهُ الكَافِر في دعائِهِ الصَّنَمَ بِالنَّاعِقِ بالبهيمة ، لا في خصوصيَّات المنعُوق به " ، وقال ابنُ زَيْدٍ في هذا القَوْلِ - أعني : قولَ مَنْ قال : التقديرُ : ومَثَلُ الذين كَفَرُوا في دُعَائِهِمْ آلهتَهُمْ - : إنَّ الناعق هنا ليس المراد به الناعق بالبهائم ، وإنَّما المراد به الصائح في جوف الجبل ، فيجيبه الصَّدَى ، فالمعنى : بما لا يسمع منه الناعقُ إلاَّ دعاء نفسه ، ونداءها ، فعلى هذا القول : يكون فاعل " يَسْمَعُ " ضميراً عائداً على " الَّذِي يَنْعِقُ " ويكون العائد على " مَا " الرابط للصِّلة بالموصُول محذوفاً ؛ لفَهْم المعنى ، تقديره : " بِمَا لاَ يَسْمَعُ مِنْهُ " وليس فيه شرط جوازِ الحَذْف ؛ فإنه جُرَّ بحرف غير ما جُرَّ به الموصول ، وأيضاً : فقد اختلف متعلَّقاهما إلاَّ أنه قد ورد ذلك في كلامهم ، وأمَّا على القولين الأوَّلين ، فيكون فاعل " يَسْمَعُ " ضميراً يعود على " ما " الموصولة ، وهو المنعوقُ به .
وقيل : المراد ب " الَّذِين كَفَرُوا " المتبُوعُون ، لا التابعون ، المعنى : " مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في دعائِهِمْ اتباعَهُمْ ، وكوْنِ أتباعِهِمْ لا يَحْصُل لهم منهم إلاَّ الخَيْبَة ، كمثل النَّاعق بالغَنَم " ، فعلى هذه الأقوال كلِّها : يكون " مَثَل " مبتدأً و " كَمَثَلِ " خبره ، وليس في الكلام حذفٌ إلاَّ جهة التَّشبيه .
وعلى القول الثاني من الأقوال الأربعة المتقدِّمة : فقيل : معناه : " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في دُعَائِهِمْ إلى الله تعالى ، وعَدَمِ سماعِهِمْ إِيَّاه ، كَمَثَلِ بَهَائم الَّذِي يَنْعِقُ " فهو على حذفِ قَيْدٍ في الأوَّل ، وحَذْف مضافٍ في الثاني .
وقيل : التقدير : " ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا في عَدَم فَهْمهم عَنِ اللَّهِ ورسُولِهِ ، كَمَثَلِ المنْعُوق بِهِ منَ البَهَائم الَّتي لا تَفْقَهُ من الأَمْر والنَّهْي غَيْر الصَّوْت " فيرادُ بالذي يَنْعِقُ : الذي يُنْعَقُ بِهِ ، ويكون هذا من القَلْبِ ، وقال قائلٌ : " هذا كما تقولون : " دَخَلَ الخَاتَمُ في يَدِي ، والخُفُّ في رِجْلِي " وتقولون : " فُلاَنٌ يَخَافُكَ ؛ كَخَوْفِ الأَسَدِ " ، أي : كَخَوْفِهِ الأَسَدَ ، وقال تعالى : { مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ }
[ القصص : 76 ] وإنَّما العصبة تنوء بالمفاتح " . وإلى هذا ذهب الفرَّاء ، وأبو عُبَيْدَة ، وجماعةٌ إلاَّ أنَّ القلب لا يقع على الصَّحيح إلاَّ في ضرورة أو ندورٍ .
وأمَّا على القول الثَّالث ، وهو قولُ الأخفش ، والزَّجَّاج ، وابْنِ قُتَيْبَة ، فتقديره : " ومَثَلُ داعي الَّذين كَفَرُوا كَمَثَلِ النَّاعق بغَنَمه ؛ في كَوْن الكافِرِ لا يَفْهَمُ ممَّا يُخَاطِبُ به داعيَهُ إلاَّ دَوِيَّ الصَّوْت ، دون إلقاءِ فكرٍ وذهنٍ ؛ كما أنَّ البيهمةَ كذلك ، فالكلامُ على حذف مضافٍ من الأوَّل .
فصل في المراد ب " مَا لاَ يَسْمَعُ "
قال الزَّمَخْشَرِيُّ{[2284]} : ويجوزُ أن يرادَ ب " مَا لاَ يَسْمَعُ " الأصمُّ الأصْلَج الذي لا يَسْمَعُ من كلام الرَّافِعِ صَوْتَهُ بِكَلاَمِهِ إلاَّ النِّداءَ والصَّوتَ ، لا غير ؛ من غير فهم للحرف ، وهذا جنوح إلى جواز إطلاق " ما " على العقلاء ، أو لما تنزَّل هذا منزلة من لا يسمع من البهائم ، أوقع عليه " مَا " .
وأما على القول الرابع - وهو اختيار سيبويه{[2285]} في هذه الآية - : فتقديره عنده : " مَثَلُكَ يَا مُحَمَّدُ ، ومَثَلُ الذين كَفَرُوا ، كَمَثَل النَّاعق والمنْعُوقِ به " ، واختلف النَّاس في فهم كلام سيبويه ، فقائل : هو تفسير معنى ، وقيل : تفسير إعرابٍ ، فيكون في الكلام حذفان : حذف من الأوَّل ، وهو حذف " دَاعِيهم " ، وقد أثبت نظيره في الثاني ، وحذفٌ من الثَّاني ، وهو حذف المنعوق ، وقد أثبت نظيره في الأول ؛ فشبَّه داعِيَ الكُفَّار براعي الغنم في مخاطبته من لا يفهم عنه ، وشبَّه الكفَّار بالغنم في كونهم لا يسمعون مما دعوا إليه ، إلاَّ أصواتاً لا يعرفون ما وراءها ، وفي هذا الوجه حذف كثير ؛ إذ فيه حذف معطوفين ؛ إذ التقدير الصناعيُّ : " وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا ودَاعِيهِمْ كمثل الذي يَنْعِقُ بالمَنْعُوقِ به " .
وقد ذهب إليه جماعةٌ ، منهم : أبو بكر بن طاهر{[2286]} ، وابن خروفٍ{[2287]} ، والشَّلوبين{[2288]} ؛ قالوا : العرب تستحسن هذا ، وهو من بديع كلامها ؛ ومثله قوله : [ { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ } [ النمل : 12 ] ] {[2289]} تقديره : " وأَدْخِل يَدَكَ في جَيْبِكَ ، تدْخُلْ ، وأَخْرِجْها تَخْرُجْ " ؛ فحذف " تَدْخُل " ؛لدلالة " تَخْرُج " وحَذَف " وأَخْرجْهَا " ؛ لدلالة " وأَدْخِلْ " ، قالوا : ومثله قوله :
895 - وَإِنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ فَتْرَةٌ *** كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ{[2290]}
لم يرد أن يشبِّه فترته بانتفاض العصفور حين بلَّله القطر ؛ لأنَّمها ضدَّان ؛ إذ هما حركةٌ وسكونٌ ، ولكنَّ تقديره : أنِّي إذا ذكرتك ، عراني انتفاضٌ ، ثمَّ أفتر ؛ كما أن العصفور إذا بلَّله القطر ، عراه فترةٌ ، ثم ينتفض ، غير أنَّ وجيب قلبه واضطرابه قبل الفترة ، وفترة العصفور قبل انتفاضه .
وهذه الأقوال كلُّهَا ، إنَّما هي على القول بتشبيه مفرد بمفرد ، ومقابلة جزء من الكلام السَّابق بجزء من الكلام المشبَّه به .
أمَّا إذا كان التشبيه من باب تشبيه جملةٍ بجملةٍ ، فلا ينظر في ذلك إلى مقابلة الألفاظ المفردة ، بل ينظر إلى المعنى ، وإلى هذا نحا أبو القاسم الراغب ؛ قال الرَّاغب : " فلمَّا شبَّه قصَّة الكافرين في إعراضهم عن الدَّاعي لهم إلى الحقِّ ، بقصَّة النَّاعق قدَّم ذكر النَّاعق ؛ لينبني عليه ما يكون منه ، ومن المنعوق به " .
والكاف ليست بزائدةٍ ؛ خلافاً لبعضهم ؛ فإنَّ الصِّفة ليست عين الصِّفة الأخرى ، فلا بُدَّ من الكاف ؛ حتى أنه لو جاء الكلام دون الكاف ، اعتقدنا وجودها تقديراً تصحيحاً للمعنى .
وقد تلخَّص ممَّا تقدَّم : أنَّ " مَثَلُ الَّذِينَ " مبتدأٌ ، و " كَمَثَلِ الَّذِي " خبره : إمَّا من غير اعتقاد حذف ، أو على حذف مضافٍ من الأوَّل ، أي : " مثلُ : " داعي الَّذين " ، أو من الثَّاني ، أي : " كَمَثَلِ بَهَائِم الَّذِي " ، أو على حذفين : حذف من الأوَّل ما أثبت نظيره في الثَّاني ، ومن الثَّاني ما أثبتَ نظيره في الأوَّل ؛ كما تقدَّم تحريره .
والنعيق دعاء الرَّاعي ، وتصويته بالغنم ؛ قال الأخطل في ذلك : [ الكامل ]
896 - فَانْعِقْ بِضَأْنِكَ يَا جَرِيرُ فَإِنَّمَا *** مَنَّتْكَ نَفْسُكَ في الخَلاَءِ ضَلالاَ{[2291]}
قال القتيبيُّ{[2292]} : لم يكن جرير راعي ضأنٍ ، وإنَّما أراد أنَّ بني كُلَيبٍ يُعَيَّرُونَ برعْيِ الضأن ، وجرير منهم ؛ فهو من جَهَلتهم ، والعرب تضرب المثل في الجهل براعي الضَّأن ، ويقولون : أجْهَلُ من رَاعِي ضَأْنٍ .
يقال : نَعَقَ ، بفتح العَيْنِ ، يَنْعِقُ ، بكَسْرها ، والمصدرُ النَّعيقُ والنُّعَاقُ ، والنَّعْقُ ، وأما " نَغَقَ الغُرَابُ " ، فبالمعجمة ، وقيل : بالمهملة أيضاً في الغُرَاب ، وهو غريبٌ .
قال بعضهم : إنَّ الياء والنُّون من قوله : " يَنْعِقُ " من نصف هذه السُّورة الأوَّل ، والعَيْنَ والقَافَ من النصف الثَّاني .
" إلاَّ دعاء " : هذا استثناءٌ مفرَّغٌ ؛ لأن قبله " يَسْمَعُ " ولم يأخذ مفعوله وزعم بعضهم أن " إلاَّ " زائدةٌ ، فليس من الاستثناء في شيء ، وهذا قولٌ مردودٌ ، وإن كان الأصمعيُّ قد قال بزيادة " إلاَّ " في قوله : [ الطويل ]
897 - حَرَاجِيجُ لا تَنْفَكُّ إلاَّ مُنَاخةً *** عَلَى الخَسْفِ أو نَرْمِي بِهَا بَلَداً قَفْراً{[2293]}
فقد ردَّ النَّاسُ عليه ، ولم يقْبَلُوا قوله ، وفي البيت كلامٌ تقدَّم .
وأورد بعضهم هنا سؤالاً معنويّاً ، وهو أن قوله : { لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً } [ البقرة : 171 ] ليس المسموع إلا الدعاء والنداء ، فكيف ذمَّهم بأنَّهم لا يسمعون إلا الدعاء ؛ وكأنَّه قيل : لا يسمعون إلاَّ المسموع ، وهذا لا يجوز ؟
فالجواب : أن في الكلام إيجازاً ، وإنَّما المعنى : لا تفهم معاني ما يقال لهم ؛ كما لا تميِّز البهائم بين معاني الألفاظ التي يصوَّت بها ، وإنَّما تفهم شيئاً يسيراً ، قد أدركته بطول الممارسة ، وكثرة المعاودة ؛ فكأنه قيل لهم : إلاَّ سماع النِّداء دون إدراك المعاني ، والأغراض .
قال شِهَابُ الدِّين{[2294]} : وهذا السُّؤال من أصله ليس بشيءٍ ، ولولا أنَّ الشَّيخ ذكره ، لم أذكره .
وهنا سؤالٌ ذكره عليُّ بن عيسى{[2295]} ، وهو هل هذا من باب التَّكرار لمَّا اختلف اللَّفظ ، فإنَّ الدعاء والنِّداء واحدٌ ؟ والجواب : أنه ليس كذلك ؛ فإن الدعاء طلب الفعل ، والنداء إجابة الصَّوت .
وقال القرطبيُّ{[2296]} - رحمه الله - : النداء للبعيد ، والدعاء للقريب ، وكذلك قيل للأذان بالصلاة نداءٌ ؛ لأنه للأباعد ، وفي هذا نظر ؛ لأنَّ النبيَّ - عليه السلام - قال : " الخِلافَةُ في قُرَيْشٍ ، والحُكْمُ في الأَنْصَارِ ، والدَّعْوَةُ في الحَبَشَةِ{[2297]} " .
قال ابنُ الأثِير في " النَّهَايَة " {[2298]} : أراد بالدَّعوة الأذان ، وجعله في الحبشة ؛ تفضيلاً لمؤذِّنه بِلالٍ ، وقال شاعر الجاهليَّة : [ الوافر ]
898 - فَلَسْتُ بِصَائِمٍ رَمَضَانُ عُمْرِي *** وَلَسْتُ بِآكِلٍ لَحْمَ الأَضَاحِي
وَلَسْتُ بِقَائِمٍ كالعِيرِ يَدْعُو*** قُبَيْلَ الصُّبْحِ حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ
أراد أذان الصُّبح ، وقد تضمُّ النون في النِّداء ، والأصل الكسر .
قوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } [ البقرة : 171 ] لمَّا شبَّههم بالبهائم ، زاد في تبكيتهم ، فقال : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } ؛ لأنَّهم صارُوا بمنزلة الأصَمِّ ؛ في أنَّ الذي سَمِعُوه ، كأنَّهم لم يسمعوه ، وبمنزلة البُكْم ؛ في ألاَّ يستجيبوا لما دعوا إليه ، ومن حيث العمي ؛ من حيث إعراضهم عن الدَّلائل ؛ فصاروا كأنَّهم لم يشاهدوها ، قال النُّحاة : " صُمٌّ " ، أي : هم صمٌّ ، وهو رَفْع على الذَّمِّ .
وقوله : " فَهُمْ لاَ يَعْقِلُون " فالمراد : العقْلُ المكتَسَبُ هو الاستعانة بهذه القُوَى الثَّلاثة ، فلمَّا أعرضوا عنها ، فقد فقدوا العقل الكسبيَّ ، ولهذا قيل : من فقد حسّاً ، فَقَدْ فَقَدَ علماً ، والله تعالى أعلم .