تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

ثم ذكر شدة جبنهم فقال : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً } يلجأون إليه عندما تنزل بهم الشدائد ، { أَوْ مَغَارَاتٍ } يدخلونها فيستقرون فيها { أَوْ مُدَّخَلًا } أي : محلا يدخلونه فيتحصنون فيه { لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } أي : يسرعون ويهرعون ، فليس لهم ملكة ، يقتدرون بها على الثبات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

إنهم جبناء . والتعبير يرسم لهذا الجبن مشهداً ويجسمه في حركة . حركة النفس والقلب ، يبرزها في حركة جسد وعيان :

( لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون ) . .

فهم متطلعون أبداً إلى مخبأ يحتمون به ، ويأمنون فيه . حصناً أو مغارة أو نفقاً . إنهم مذعورون مطاردون يطاردهم الفزع الداخلي والجبن الروحي . ومن هنا :

( يحلفون باللّه إنهم لمنكم ) . .

بكل أدوات التوكيد ، ليداروا ما في نفوسهم ، وليتقوا انكشاف طويتهم ، وليأمنوا على ذواتهم . . وإنها لصورة زرية للجبن والخوف والملق والرياء . لا يرسمها إلا هذا الاسلوب القرآني العجيب . الذي يبرز حركات النفس شاخصة للحس على طريقة التصوير الفني الموحي العميق

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

القول في تأويل قوله تعالى : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدّخَلاً لّوَلّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } .

يقول تعالى ذكره : لو يجد هؤلاء المنافقون ملجأ ، يقول : عَصَرا يعتصرون به من حصن ، ومعقلاً يعتقلون فيه منكم ، أو مَغَارَاتٍ وهي الغيران في الجبال ، واحدتها : مغارة ، وهي مفعلة من غار الرجل في الشيء يغور فيه إذا دخل ، ومنه قيل : غارت العين : إذا دخلت في الحدقة . أو مُدّخَلاً يقول : سَرَبا في الأرض يدخلون فيه ، وقال : «أو مُدّخلاً » . . . الآية ، لأنه من ادّخل يدخل . وقوله : لَوَلّوْا إلَيْهِ يقول : لأدبروا إليه هربا منكم . وَهُمْ يَجْمَحُونَ يقول : وهم يسرعون في مشيهم . وقيل : إن الجماح مشى بين المشيين ومنه قول مهلهل :

لَقَدْ جَمَحْتُ جِماحا فِي دِمائهِمُ *** حتى رأيْتُ ذَوِي أحْسابِهِمْ خَمَدوا

وإنما وصفهم الله بما وصفهم به من هذه الصفة ، لأنهم إنما أقاموا بين أظهر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم ، ولما هم عليه من الإيمان بالله وبرسوله لأنهم كانوا في قومهم وعشيرتهم وفي دورهم وأموالهم ، فلم يقدروا على ترك ذلك وفراقه ، فصانعوا القوم بالنفاق ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم بالكفر ودعوى الإيمان ، وفي أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به والعداوة لهم ، فقال الله واصفهم بما في ضمائرهم : لَوْ يَجِدُونَ مَلْجأً أوْ مَغارَاتٍ . . . الآية .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لَوْ يَجدُونَ مَلْجأً الملجأ : الحرز في الجبال ، والمغارات : الغيران في الجبال . وقوله : أوْ مُدّخَلاً والمدّخل : السرب .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَوْ يَجدُونَ مَلْجأً أوْ مَغارَاتٍ أوْ مُدّخَلاً لَوَلّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ملجأ ، يقول : حرزا ، أو مَغَارَاتٍ يعني الغيران . أو مُدّخلاً يقول : ذهابا في الأرض ، وهو النفق في الأرض ، وهو السرب .

وحدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لَوْ يَجدُونَ مَلْجأً أوْ مَغارَاتٍ أوْ مُدّخَلاً قال : حرزا لهم يفرّون إليه منكم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : لَوْ يَجدُونَ مَلْجأً أوْ مَغارَاتٍ أوْ مُدّخَلاً قال : محرزا لهم ، لفرّوا إليه منكم . وقال ابن عباس قوله : لَوْ يَجدُونَ مَلْجأً حرزا أو مغارات ، قال : الغيران . أوْ مُدّخَلاً قال : ففقا في الأرض .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : لَوْ يَجدُونَ مَلْجأً أوْ مَغارَاتٍ أوْ مُدّخَلاً يقول : لو يجدون ملجأ : حصونا ، أو مَغَارَاتٍ غيرانا . أو مدّخلاً أسرابا . لَوَلّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

{ لو يجدون ملجأ } حصنا يلجؤون إليه { أو مغارات } غيرانا . { أو مُدخلاً } نفقا ينجحرون فيه مفتعل من الدخول وقرأ يعقوب { مدخلا } من مدخل . وقرئ { مدخلا } أي مكانا يدخلون فيه أنفسهم و " متدخلا " و " مندخلا " من تدخل واندخل { لولّوا إليه } لأقبلوا نحوه . { وهم يجمحون } يسرعون إسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح . وقرئ " يجمزون " ومنه الجمازة .