إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

{ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأَ } استئنافٌ مقرِّرٌ لمضمون ما سبق من أنهم ليسوا من المسلمين وأن التجاءَهم إلى الانتماء إليهم إنما هو للتقية اضطراراً حتى إنهم لو وجدوا غيرَ ذلك ملجأ أي مكاناً حصيناً يلجأون إليه من رأس جبل أو قلعةٍ أو جزيرة ، وإيثارُ صيغةِ الاستقبالِ في الشرط وإن كان المعنى على المُضِيّ لإفادة استمرارِ عدمِ الوجدانِ فإن المضارعَ المنفيَّ الواقعَ موقعَ الماضي ليس نصاً في إفادة انتفاءِ استمرارِ الفعلِ كما هو الظاهرُ بل قد يفيد استمرارَ انتفائِه أيضاً حسبما يقتضيه المقامُ فإن معنى قولِك : لو تحسن إليّ لشكرتك أن انتفاءَ الشكر بسبب استمرارِ انتفِاء الإحسانِ لا أنه بسبب انتفاءِ استمرارِ الإحسانِ فإن الشكرَ يتوقف على وجود الإحسانِ لا على استمرارِه كما حقق في موضعه { أَوْ مغارات } أي غِيراناً{[359]} وكهوفاً يُخفون فيها أنفسهَم وقرىء بضم الميم من أغار الرجلُ إذا دخل الغَور وقيل : هو متعد من غار إذا دخل الغور أي أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم وأهليهم يجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع بمعنى مهارب ومفار { أَوْ مُدخَلاً } أي نفقاً يندسّون فيه وينجحرون وهو مفتعلٌ من الدخول وقرىء مَدخْلاً من الدخول ومُدْخلاً من الإدخال ، أي مكاناً يُدخِلون فيه أنفسَهم وقرىء مُتدخَّلاً ومنْدخَلاً من التدخل والاندخال { لولوا } أي لصرفوا وجوهَهم وأقبلوا ، وقرىء لوالَوْا أي لالتجأوا { إِلَيْهِ } أي إلى أحد ما ذكر { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } أي يُسرعون بحيث لا يردُّهم شيء من الفرس الجَموحِ وهو الذي لا يثنيه اللجام ، وفيه إشعارٌ بكمال عتوِّهم وطُغيانِهم وقرىء يجمزون بمعنى يجمحون ويشتدون ومنه الجمازة .


[359]:الغيران والأغوار: جمع غور، وهو كل منخفض من الأرض.