الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

ولو يجد هؤلاء المنافقون { ملجئا }[ 57 ] ، أي : حصنا يتحصنون فيه منكم{[28982]} ، { أو مغارات }[ 57 ] ، وهي : الغيران في الجبل{[28983]} ، { أو مدخلا }[ 57 ] : أي : سربا في الأرض يدخلون فيها{[28984]} . { لولو إليه } ، أي لأدبروا ، هربا منكم{[28985]} : { وهم يجمحون }[ 57 ] ، أي : يسرعون في مشيهم{[28986]} . و " الجمح " {[28987]} : مشي بين مشيين{[28988]} يقال : فرس جموح ، إذا كان لا يرده في دفعه لجام{[28989]} ، ولكنهم لا يقدرون على ذلك ، لأن دورهم ودراريهم وعشيرتهم تمنعهم من ذلك ، فصانعوا بالنفاق ، ودافعوا به عن أنفسهم وأموالهم ، يدّعون الإيمان ويبطنون الكفر{[28990]} .

قال ابن عباس : " الملجأ " الحرز في الجبل{[28991]} .

وقال : { أو مدخلا } ذهابا في الأرض ، وهو النفق{[28992]} في الأرض يعني السّرب{[28993]} .

وواحد المغارات : " مغارة " ، من : غار الرجل في الشيء : إذا دخل فيه{[28994]} .

وأجاز الأخفش : " مُغارات " {[28995]} ، من " أغار يغير " ، كما قال{[28996]} :

الحمد لله ممسانا ومصبحنا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[28997]} .

وواحدها " مغارة " وجمعها " مغاور " .

وقرأ عيسى بن عمر ، والأعمش : " أو مدخلا " بتشديد " الدال " و " الخاء " {[28998]} ، والأصل فيه : متدخل على وزن : متفعل ، ومعناه : دخول بعد دخول{[28999]} .

وقرأ الحسن ، وابن أبي إسحاق ، وابن محيصن{[29000]} : { مدخلا }{[29001]} من دخل{[29002]} .

وحكى أبو{[29003]} إسحاق : { مدخلا } بالضم{[29004]} ، من " أدخل{[29005]} .

وفي حرف أبي : " مدخلا " بتخفيف " الدال " وتشديد " الخاء " {[29006]} .

ثم أخبر نبيه عليه السلام ، أن من المنافقين من يلمزه في الصدقات ، أي : يعيبه بها ، ويطعن عليه فيها{[29007]} .

يقال : " لمزه يلمزه ، ويلمزه " ، لغتان{[29008]} .

والضم : قراءة الأعرج ، وقد رواها شبل{[29009]} عن ابن{[29010]} كثير{[29011]} .

و " الهُمزة اللمزة " : العياب للناس{[29012]} .

وقيل : " الهمزة " : الذي يشير بعينه ، و " اللمزة " : الذي يعيب في السر{[29013]} .


[28982]:انظر: المصدر نفسه 14/298.
[28983]:في المصدر نفسه 14/298: "في الجبال"، وتملم نصه: "....واحدتها "مغارة" وهي "مفعلة"، من "غار الرجل في الشيء يغور فيه": إذا دخل، ومنه قيل: "غارت العين"، إذا دخلت في الحدقة".
[28984]:المصدر نفسه، بلفظ: "...فيه".
[28985]:المصدر نفسه، بلفظ: "لأدبروا إليه".
[28986]:المصدر نفسه.
[28987]:في المصدر نفسه: "الجماح"، وهو في معاني القرآن للفراء 1/443، بلفظ مكي.
[28988]:جامع البيان 14/298، بلفظ: "المشيين"، وتمام نصه: ".ومنه قول مهلهل: لقد جمحت جماحا في دمائهم *** حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه: "هذا نص نادر لا تجده في كتب اللغة، فليقيد فيها هو وشاهده". وقال معلقا عل الشاهد: "لم أجد هذا البيت فيما وقفت عليه من شعر مهلهل". وقوله: "خمدوا"، أي: سكنوا فماتوا، كما تنطفئ الجمرة"، رحمه الله رحمة واسعة.
[28989]:معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/455، بتصرف يسير في بعض ألفاظه.
[28990]:جامع البيان 14/299، بتصرف.
[28991]:جامع البيان 14/299، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1814، وزاد: "وهو المعقل"، والدر المنثور 4/218.
[28992]:في الأصل: النفر، براء مهملة، وهو تحريف محض.
[28993]:جامع البيان 14/299. وانظر: أقوالا أخرى في البحر المحيط 5/56.
[28994]:انظر: اللسان / غور.
[28995]:بضم الميم، وقرئ بها في الشواذ، كما في مختصر شواذ القرآن 58، وهي فيه لعبد الرحمن بن عوف، والمحتسب في تبيين شواذ القراءات 1/295، وعزاها لسعد بن عبد الرحمن بن عوف، وفيه: "...وأما مُغارات فجمع مُغار، وليس من: "أغرت على العدو"، ولكنه من: "غار الشيء ويغور"، و"أغرته أنا أغيره، كقولك: غاب يغيب وأغبته، فكأنه: لو يجدون ملجأ أو أمكنة يُغيرون فيها أشخاصهم ويسترون أنفسهم".
[28996]:أمية بن أبي الصلت.
[28997]:انظر: معان القرآن 1/359، 360، وعجزه فيه: ........................... *** بالخير صبحنا ربي ومسانا وفيه: "لأنها من: "أمسى" و"أصبح". والشاهد أورده الأخفش أولا، في معانيه 1/253، عند تفسيره لقوله تعالى: {وندخلكم مدخلا كريما}، النساء: 31، منسوبا، وتخريجه هناك، وبقية مصادر تخريجه في معجم شواهد العربية 2/381، وزد عليها معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/455، وإعراب القرآن للنحاس 2/221، وزاد المسير 3/454، وتفسير القرطبي 8/105.
[28998]:إعراب القرآن للنحاس 2/221، 222، والمحرر الوجيز 3/46، وتفسير القرطبي 8/105، والبحر المحيط 5/56، والدر المصون 3/474.
[28999]:إعراب القرآن للنحاس 2/222.
[29000]:هو محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي مولاهم المكي، قارئ أهل مكة، توفي سنة 123هـ انظر: معرفة القراء الكبار 1/98، 99، ومصادر ترجمته هناك.
[29001]:بفتح الميم وإسكان الدال، إعراب القرآن للنحاس 2/222، والمحرر الوجيز 3/46، وزاد نسبتها إلى مسلمة بن محارب، وابن كثير بخلاف عنه، وتفسير القرطبي 8/105، والبحر المحيط 5/56، والدر المصون 3/474، وزاد نسبتها إلى مسلمة بن محارب وابن كثير بخلاف عنه.
[29002]:قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 2/455: "....ومن قال: "مدخلا" فهو ومن: دخل يدخل مدخلا".
[29003]:في المخطوطتين: "ابن" وهو تحريف، ومصادر التصويب في الهامش الآتي:
[29004]:بضم الميم وإسكان الدال، إعراب القرآن للنحاس 2/222، وفيه: "قال أبو إسحاق: ويقرأ..." ويقصد أبا إسحاق الزجاج، ففي معانيه 2/455، "ويقرأ: "أو مدخلا"، بالتخفيف...". وفي تفسير القرطبي 8/105، "قال الزجاج "ويقرأ : "مدخلا" بضم الميم وإسكان الدال".
[29005]:في معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/455، "....ومن قال "مُدخلا" فهو من: أدخلته مدخلا. وهي في المحتسب 1/295، معزوة إلى مسلمة بن محارب، والمحرر الوجيز 3/46، وفيه: "ورويت عن الأعمش وعيسى"، والبحر المحيط 5/56، وفيه: "وقرأ محبوب عن الحسن...، وروي ذلك عن الأعمش وعيسى بن عمر"، والدر المصون 3/474، وفيه: "وقرأ الحسن في رواية محبوب".
[29006]:لم ترد فيما لدي من مصادر القراءات، ولعلها من المرويات التي انفرد بها مكي. وفي إعراب القرآن للنحاس 2/222: "....وفي حرف أبي "أو متدخلا" على متفعل...". وكذلك هي في مختصر في شواذ القرآن 58. وفي المحرر الوجيز 3/46: "..وقرأ أبي بن كعب "مندخلا"،....وقال أبو حاتم قراءة أبي بن كعب: "متدخلا"، بتاء مفتوحة...". وفي زاد المسير 3/453،: "وقرأ أبي، وأبي المتوكل، وأبو الجوزاء: "أو متدخلا" برفع الميم وبتاء ودال مفتوحتين مشددة "الخاء".
[29007]:جامع البيان 14/300، بتصرف.
[29008]:في المختار/لمز: "...وبابه: "ضرب" و"نصر"، وقرئ بهما قوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات}، انظر: جامع البيان 14/300، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/455.
[29009]:هو: شبل بن عبّاد المكي، صاحب ابن كثير، وهو أحد الذين خلفوه في القراءة بمكة. انظر: معرفة القراءة الكبار 1/129، 130، ومصادر ترجمته هناك.
[29010]:في الأصل: أبي، وهو تحريف.
[29011]:مختصر في شواذ القرآن 58، وزاد نسبتها إلى الحسن، وإعراب القرآن للنحاس 2/222، بلفظ: "وقرأ الأعرج...بضم الميم، والأكثر في المتعدي: يفعل بكسر العين"، والمحرر الوجيز 3/47، وفيه: "وقرأ ابن كثير فيما روى عنه حماد بن سلمة، بضم الميم، وهي قراءة أهل مكة، وقراءة الحسن، وأبي رجاء، وغيرهم". والبحر المحيط 5/57، وفيه: "وقرأ يعقوب، وحماد بن سلمة عن ابن كثير، والحسن، وأبي رجاء، وغيرهم بضمها، وهي قراءة المكيين، ورويت عن أبي عمرو".
[29012]:انظر: جامع البيان 14/300، ومعاني القرآن للزجاج 2/456، واللسان /لمز، وهمز.
[29013]:انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج 2/456، فكأن كلام مكي مستخلص منها.