قوله تعالى : { مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ } : المَلْجَأُ : الحِصْن . وقيل : المَهْرب . وقيل : الحِرْز وهو مَفْعَل مِنْ لجأ إليه يلجأ ، أي : انحاز يقال : ألجأته إلى كذا ، أي : اضطررته إليه فالتجأ . والملجأ يَصْلُح للمصدر والزمان والمكان ، والظاهر منها هنا المكان . والمَغارات جمع مغارة وهي مَفْعَلة مِنْ غار يغور فهي كالغار في المعنى . وقيل : المغارة : السِّرْب في الأرض كنفق اليربوع . والغار النَّقْبُ في الجبل .
والجمهور على فتح ميم " مغارات " وقرأ عبد الرحمن بن عوف مُغارات بالضم وهو مِنْ أغار/ وأغار يكون لازماً ، تقول العرب : أغار بمعنى غار ، أي : دخل ، ويكون متعدياً تقول : أَغَرْتُ زيداً ، أي : أدخلته في الغار ، فعلى هذا يكون مِنْ أغار المتعدي ، والمفعول محذوف ، أي : أماكنُ يُغيرون فيها أنفسهم ، أي : يُغَيِّبونها .
والمُدَّخل : مُفْتَعَلِ مِنَ الدخول وهو بناء مبالغة في هذا المعنى ، والأصل مُدْتَخل فأدغمت الدال في تاء الافتعال كادَّان من الدَّين . وقرأ قتادة وعيسى بن عمر والأعمش مُدَّخَّلاً بتشديد الدال والخاء معاً . وتوجيهُها أن الأصل : مُتَدَخَّلاً مِنْ تَدخَّل بالتضعيف ، فلما أدغمت التاء في الدال صار اللفظ مُدَّخَّلاً نحو مُدَّيَّن مِنْ تَدَيَّن . وقرأ الحسن أيضاً ومسلمة بن محارب وابن أبي إسحاق وابن محيصن وابن كثير في رواية " مَدْخَلاً " بفتح الميم وسكون الدال وفتح الخاء خفيفة مِنْ دخل . وقرأ الحسن في رواية محبوب كذلك إلا أنه ضَمَّ الميم جعله مِنْ أدخل .
وهذا من أبرع العلم : ذكر أولاً الأمر الأعم وهو الملجأ من أي نوع كان ، ثم ذكر الغَيْران التي يُختفى فيها في أعلى الأماكن وفي الجبال ، ثم الأماكن التي يُختفى فيها في الأماكن السافلة وهي السُّروب وهي التي عبَّر عنها بالمُدَّخل .
وقال الزجاج : " يصح أن تكون المَغَارات مِنْ قولهم : حَبْل مُغار ، أي : مُحْكم الفتل ، ثم يُستعار ذلك في الأمر المحكم المبرَم فيجيء التأويل على هذا : لو يَجدون نصرة أو أموراً مسددة مرتبطة تعصِمهم منكم . وجعل المُدَّخَل أيضاً قوماً يدخلون في جملتهم .
وقرأ أُبَيّ مُنْدَخَلاً بالنون بعد الميم مِنْ اندخل قال :
2501 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** ولا يدي في حَمِيتِ السَّمْنِ تَنْدَخِلُ
وأنكر أبو حاتم هذه القراءة عنه ، وقال : " إنما هي بالتاء " . قلت وهو معذورٌ لأن انفعل قاصر لا يتعدى فكيف بُني منه اسمُ مفعول ؟
وقرأ الأشهب العقيلي : " لَوَاْلَوا " ، أي : بايعوا وأسرعوا ، وكذلك رواها ابن أبي عبيدة بن معاوية بن نوفل عن أبيه عن جده وكانت له صحبة من الموالاة . وهذا ممَّا جاء فيه فَعَّل وفاعَل بمعنى نحو : ضَعَّفْتُه وضاعَفْتُه . قال سعيد بن مسلم أظنها " لَوَأَلُوا " بهمزة مفتوحة بعد الواو مِنْ وَأَلَ ، أي : التجأ ، وهذه القراءةُ نقلها الزمخشري وفسَّرها بما تقدم من الالتجاء :
والجُّموح : النُّفور بإسراع ومنه فرس جَموح إذا لم يَرُدَّه لِجام قال :
2502 جَمُوحاً مَرُوحاً وإحضارُها *** كمَعْمَعَةِ السَّعَفِ المُؤْقَدِ
2503 - إذا جَمَحَتْ نساؤكُمُ إليه *** أَشَظَّ كأنه مَسَدٌ مُغَارُ
2504 وقد جَمَحْتُ جِماحاً في دمائِهمُ *** حتى رأيتُ ذوي أحسابِهم جَهَزوا
وقرأ أنس بن مالك والأعمش " يَجْمِزُون " ، قال ابن عطية : " يُهَرْوِلُون في مَشْيهِم " . قيل : يَجْمِزُون ويَجْمَحون ويشتدُّون بمعنى " . وفي الحديث : " فلما أَذْلَقَتْه الحجارة جَمَزَ " ، وقال رؤبة :
2505 إمَّا تَرَيْني اليومَ أمَّ حَمْزِ *** قارَبْتُ بين عَنَقي وجَمْزي
وقوله : { إِلَيْهِ } ، عاد الضميرُ إلى الملجأ أو على المُدَّخل ؛ لأن العطف ب أو " ، ويجوز أن يعودَ على " المَغَارات " لتأويلها بمذكر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.