البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

{ لو يجدون ملجئا أو مغارات أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون } : لما ذكر فرق المنافقين من المؤمنين أخبر بما هم عليه معهم مما يوجبه الفرق وهو أنهم لو أمكنهم الهروب منهم لهربوا ، ولكنْ صحبتهم لهم صحبة اضطرار لا اختيار .

قال ابن عباس : الملجأ الحرز .

وقال قتادة : الحصن .

وقال السدي : المهرب .

وقال الأصمعي : المكان الذي يتحصن فيه .

وقال ابن كيسان : القوم يأمنون منهم .

والمغارات جمع مغارة وهي الغار ، ويجمع على غيران بني من غار يغور إذا دخل مفعلة للمكان كقولهم : مزرعة .

وقيل : المغارة السرب تحت الأرض كنفق اليربوع .

وقرأ سعد بن عبد الرحمن بن عوف : مغارات بضم الميم ، فيكون من أغار .

قيل : وتقول العرب : غار الرجل وأغار بمعنى دخل ، فعلى هذا يكون مغارات من أغار اللازم .

ويجوز أن يكون من أغار المنقول بالهمزة من غار ، أي أماكن في الجبال يغيرون فيها أنفسهم .

وقال الزجاج : ويصح أن يكون من قولهم : جبل مغار أي مفتول .

ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبرم ، فيجيء التأويل على هذا لو يجدون نصرة أو أموراً مرتبطة مشدّدة تعصمهم منكم أو مدّخلاً لولوا إليه .

وقال الزمخشري ويجوز أن يكون من أغار الثعلب إذا أسرع ، بمعنى مهارب ومغارّ انتهى .

والمدّخل قال مجاهد : المعقل يمنعهم من المؤمنين .

وقال قتادة : السرب يسيرون فيه على خفاء .

وقال الكلبي : نفقاً كنفق اليربوع .

وقال الحسن : وجهاً يدخلون فيه على خلاف الرسول .

وقيل : قبيلة يدخلون فيها تحميهم من الرسول ومن المؤمنين .

وقال الجمهور : مدّخلاً وأصله مدتخل ، مفتعل من ادّخل ، وهو بناء تأكيد ومبالغة ، ومعناه السرب والنفق في الأرض قاله : ابن عباس .

بدىء أولاً بالأعم وهو الملجأ ، إذ ينطلق على كل ما يلجأ إليه الإنسان ، ثم ثنى بالمغارات وهي الغيران في الجبال ، ثم أتى ثالثاً بالمدّخل وهو النفق باطن الأرض .

وقال الزجاج : المدّخل قوم يدخلونهم في جملتهم .

وقرأ الحسن ، وابن أبي إسحاق ، ومسلمة بن محارب ، وابن محيصن ، ويعقوب ، وابن كثير بخلاف عنه : مدخلاً بفتح الميم من دخل .

وقرأ محبوب عن الحسن : مدخلاً بضم الميم من أدخل .

وروى ذلك عن الأعمش وعيسى ابن عمر .

وقرأ قتادة ، وعيسى بن عمر ، والأعمش : مدخلاً بتشديد الدال والخاء معاً أصله متدخل ، فأدغمت التاء في الدال .

وقرأ أبي مندخلاً بالنون من اندخل .

قال :

ولا يدي في حميت السمن تندخل ***

وقال أبو حاتم : قراءة أبي متدخلاً بالتاء .

وقرأ الأشهب العقيلي : لوالوا إليه لتابعوا إليه وسارعوا .

وروي ابن أبي عبيدة بن معاوية بن نوفل ، عن أبيه ، عن جده وكانت له صحبة أنه قرأ لوالوا إليه من الموالاة ، وأنكرها سعيد بن مسلم وقال : أظنها لو ألوا بمعنى للجأوا .

وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي : وهذا مما جاء فيه فاعل وفعل بمعنى واحد ، ومثله ضاعف وضعف انتهى .

وقال الزمخشري : وقرأ أبي بن كعب متدخلاً لوالوا إليه لا لتجأوا إليه انتهى .

وعن أبيّ لولوا وجوههم إليه .

ولما كان العطف بأو عاد الضمير إليه مفرداً على قاعدة النحو في أو ، فاحتمل من حيث الصناعة أن يعود على الملجأ ، أو على المدخل ، فلا يحتمل على أن يعود في الظاهر على المغارات لتذكيره ، وأما بالتأويل فيجوز أن يعود عليها .

وهم يجمحون يسرعون إسراعاً لا يردهم شيء .

وقرأ أنس بن مالك والأعمش : وهم يجمزون .

قيل : يجمحون ، ويجمزون ، ويشتدون واحد .

وقال ابن عطية : يجمزون يهرولون ، ومنه قولهم في حديث الرجم : فلما إذ لقته الحجارة جمز .