الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

{ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً } يعني حرزاً وحصناً ومعقلاً ، وقال عطاء مهرباً ، وقال ابن كيسان : قوماً يأمنون فيهم { أَوْ مَغَارَاتٍ } غيراناً في الجبال ، وقال عطاء : سرادب ، وقال الاخفش : كلّ ما غرتَ فيه فغبت فهو مغارة ، وهي مفعلة من غار الرجل في الشيء يغور فيه إذا دخل ، ومنه غار الماء وغارت العين إذا دخلت في الحدقة ، ومنه غور تهامة ، والغور : ما انخفض من الأرض ، وقرأ عبد الرحمن بن عوف مُغارات بضم الميم جعله مفعلاً من أغار يُغير إذا أسرع ومعناه موضع فرارا ، قال الشاعر :

فعدّ طلابها وتعدّ عنها *** بحرف قد تغير إذ تبوع

{ أَوْ مُدَّخَلاً } موضع دخول ، وهو مفتعل من تدخّل يتدخّل متدخّل ، وقال مجاهد : مدّخلا : محرزاً . قتادة : سرداباً ، وقال الكلبي وابن زيد : نفقاً كنفق اليربوع ، وقال الضحاك : مأوىً يأوون إليه ، وقال الحسن : وجهاً يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن كيسان : دخلا من مدخلا لاينالهم منكم مايخافون [ منه ] وقرأ الحسن : أو مدخلاً ، مفتوحة الميم خفيفة الدال من دخل يدخل ، وقرأ مسلمة بن محارب مُدخلاً بضم الميم وتخفيف الدال من دخل يدخل ، وقرأه أُبيّ مندخلا ، منفعل من اندخل . كما قال :فلا يدي في حميت السكن تندخل

وقرأ الأعرج بتشديد الدال والخاء [ . . . . . . . . . . . . ] جعله متّفعلا ثم أدغم التاء في الدال كالمزمّل والمدّثر { لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ } لأدبروا إليه هرباً منكم ، وفي حرف أُبي : لولّوا وجوههم إليه ، وقرأ الأعمش والعقيلي : لوالوا إليه بالألف من الموالاة أي تابعوا وسارعوا .

وروى معاوية بن نوفل عن أبيه عن جده وكانت له صحبة لولوا إليه بتخفيف اللام لأنها من التولية يقال : ولي إليه بنفسه إذا انصرف ولولوّا إليه من المولي { وَهُمْ يَجْمَحُونَ } يسرعون في الفرار [ لا يردهم شيء ] . قال الشاعر أبان بن ثعلب :

سبوحاً جموحاً وإحضارها *** كمعمعة السعف الموقد

وقيل : إن الجماح مشي بين مشيين وهو مثل [ الصماح ] . قال مهلهل :

لقد جمحت جماحاً في دمائهمُ *** حتى رأيت ذوي أحسابهم خمدوا

وقرأ الأعمش : وهم يجمزون أي يسرعون ويشدّون