فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَوۡ يَجِدُونَ مَلۡجَـًٔا أَوۡ مَغَٰرَٰتٍ أَوۡ مُدَّخَلٗا لَّوَلَّوۡاْ إِلَيۡهِ وَهُمۡ يَجۡمَحُونَ} (57)

{ لو يجدون ملجأ } أي مكانا يلتجئون إليه ويحفظون نفوسهم فيه منكم من حصن أو رأس جبل أو قلعة أو جزيرة ، والملجأ يصلح للمصدر والزمان والمكان والظاهر منها هنا المكان ، قال ابن عباس : الملجأ يصلح للمصدر والزمان والمكان والظاهر منها هنا المكان ، قال ابن عباس : الملجأ الحرز في الجبال وقيل حصنا ومعقلا { أو مغارات } جمع مغارة من غار يغير .

قال الأخفش : ويجوز أن يكون من أغار يغير ، والمغارات الغيران والسراديب وهي المواضع التي يستتر فيها ، ومنه غار الماء وغارت العين ، والمغارة هي المكان المنخفض في الأرض أو في الجبل ، والغور من كل شيء قعره والغور المطمئن من الأرض ، وغار الرجل غورا أتى الغور وأغار بالألف مثله ، والغار والمغار ، والكهف كالبيت في الجبل ، وقيل المغارة السرب في الأرض كنفق اليربوع ، والغار الثقب في الجبل .

وهذا من أبدع النظم ، ذكر أولا الأمر الأعم وهو الملجأ من أي نوع كان ، ثم ذكر الغيران التي يختفى فيها في أعلى الأماكن وهي الجبال ثم الأماكن التي يختفي فيها الأكن وهي السروب ، وهي التي عبر عنها بالمدخل ، والمعنى لو وجدوا أمكنة يغيبون فيها أشخاصهم هربا منكم .

{ أو مدخلا } من الدخول أي مكانا يدخلون فيه من الأمكنة التي ليست مغارات . قال ابن عباس : المدخل السرب كنفق اليربوع ، وقال الحسن : وجها يدخلونه على خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم { لّولوا إليه } أي لالتجأوا إليه وأدخلوا أنفسهم فيه ، وقيل المعنى لو كانوا يجدون مهربا لهربوا إليه أو قوما يأمنون عندهم على أنفسهم لصاروا إليه ولفارقوكم .

{ وهم يجمعون } أي والحال إنهم يسرعون إسراعا إلى ذلك المكان لا يردهم شيء ، من جمح الفرس براكبه يجمح إذا لم يرده اللجام واستعصى عليه حتى غلبه فهو جموح وجامح يستوي فيه المذكر والمؤنث ، وحاصل المعنى لو وجدوا شيئا من هذه الأشياء وهي شر الأمكنة وأضيقها لولوا إليه مسرعين ، هربا من المسلمين لشدة بغضهم إياهم تسترا عنهم واستكراها لرؤيتهم .