قوله : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ } . " المَلْجَأ " : الحِصْن . وقال عطاءٌ : المَهْرب{[17886]} وقيل : الحِرْز وهو " مَفْعَل " ، مِنْ : لَجَأ إليه ، يلجأ ، أي : انحاز . يقال : ألجَأتُهُ إلى كذا أي : اضطررته إليه فالتَجَأ . و " الملجأ " يصلحُ للمصدر ، والزمان ، والمكان . والظَّاهرُ منها - المكان . و " المغارات " جمع " مغارة " ، وهي الموضع الذي يغور الإنسان فيه ، أي : يستقر . وقال أبُو عبيدٍ : كل شيءٍ جزتَ فيه فغبتَ فهو مغارة لك ، ومنه : غار الماء في الأرض ، وغارت العين . وهي مفعلة ، مِنْ : غَارَ يغُورُ ، فهي كالغَار في المعنى . وقيل : المغارة : السِّرْب ، كنفق اليربوع .
والغار : النَّقْبُ في الجبل . والجمهورُ على فتح ميم " مغارات " . وقرأ عبدُ{[17887]} الرحمن بن عوف " مُغارات " بالضم ، وهو من : أغار ، و " أغار " يكون لازماً ، تقول العربُ : " أغار " بمعنى " غار " أي : دخل . ويكون متعدّياً ، تقول العرب : أغرت زيداً ، أي : أدخلته في الغار ، فعلى هذا يكون من " أغار " المتعدِّي ، والمفعول محذوف ، أي : أماكنُ يغيرون فيها أنفسهم ، أي : يُغَيِّبُونها . و " المُدَّخل " : " مُفْتَعَل " مِنَ : الدخول ، وهو بناء مبالغة في هذا المعنى ، والأصل : " مُدْتَخل " فأدغمت " الدال " في " تاء " الافتعال ك : " ادَّانَ " من " الدَّين " . وقرأ قتادة ، وعيسى{[17888]} بن عمر ، والأعمش " مُدَّخَّلاً " بتشديد الدال والخاء معاً . وتوجيهها أن الأصل " مُتدَخَّلاً " ، من : تدخَّل " بالتَّضعيف ، فلمَّا أدغمت التاء في الدال صار اللفظ " مُدخَّلاً " نحو " مُدَّيَّن " من " تَديَّن " .
وقرأ الحسنُ أيضاً{[17889]} ، ومسلمةُ بن محاربٍ ، وابن أبي إسحاق ، وابن محيصن ، وابن كثير ، في رواية " مَدْخَلاً " بفتح الميم وسكون الدال وفتح الخاء خفيفة ، مِنْ " دخل " . وقرأ{[17890]} الحسنُ في رواية محبوب كذلك ، إلاَّ أنه ضمَّ الميم ، جعله من " أدخل " . وهذا من أبدع النَّظم ، ذكر أولاً الأمر الأعم ، وهو " الملجأ " من أي نوع كان ، ثم ذكر الغيران التي يُخْتفى فيها في أعلى الأماكن ، وهي الجبالُ ، ثم ذكر الأماكن التي يختفى فيها في الأماكن السافلة ، وهي السُّروب ، وهي التي عبَّر عنها ب " المُدَّخل " . وقال الزجاج : يصحُّ أن تكون " المغارات " من قولهم : " حَبل مُغار " أي : محكم الفتل ، ثم يستعار ذلك في الأمر المحكم المبرم فيجيء التأويل على هذا : لو يجدون نصرة ، أو أموراً مشددة مرتبطة تعصمهم منكم وجعل " المُدَّخَل " أيضاً قوماً يدخلون في جملتهم . وقرأ أبي{[17891]} " مُنْدَخَلاً " بالنون بد الميم ، من " انْدخَلَ " ؛ قال : [ البسيط ]
. . . *** ولا يَدِي في حَميتِ السَّمْنِ تَنْدخِلُ{[17892]}
وأنكر أبو حاتم هذه القراءة عنه ، وقال : إنَّما هي بالتاء ، وهو معذورٌ ، لأنَّ " انفعل " قاصر لا يتعدى ، فكيف يبنى منه اسم مفعول ؟ وقرأ الأشهب{[17893]} العقيلي " لوالَوْا " ، أي : لتتابعوا وأسرعوا وكذلك رواها ابن أبي عبيدة بن معاوية بن نوفل ، عن أبيه ، عن جده وكانت له صحبة من الموالاة . وهذا مما جاء فيه " فعَّل " ، و " فاعل " بمعنى ، نحو : ضَعَّفْتُه ، وضَاعَفْتُه .
قال سعيد بن مسلم : أظنها " لَوألُوا " بهمزة مفتوحة بعد الواو ، من " وأل " ، أي : التجأ وهذه القراءةُ نقلها الزمخشري عن أبيّ ، وفسَّرها بما تقدم من الالتجاء . و " الجُموح " النُّفُور بإسراع ؛ ومنه : فرس جمُوحٌ ، إذا لم يرُدَّهُ لِجَامٌ ؛ قال : [ المتقارب ]
سَبُوحاً جَمُوحاً وإحْضَارُهَا *** كَمَعْمَعَةِ السَّعَفِ المُوقَدِ{[17894]}
وقد جَمَحْتُ جِمَاحاً في دِمَائِهِمُ *** حتَّى رأيتُ ذوي أحْسابِهِمْ جَهَزُوا{[17895]}
وقرأ أنس{[17896]} بن مالك ، والأعمش : يَجْمِزُون . قال ابن عطية{[17897]} يُهرولُونَ في مَشيهمْ وقيل : يَجْمِزُونَ ، ويَجْمَحُونَ ، ويشتدُّون بمعنى " .
وفي الحديث : " فلمَّا أذْلقَتهُ الحجارةُ جَمَزَ{[17898]} " وقال رؤبة : [ الرجز ]
إمَّا تَرَيْنِي اليومَ أمَّ حَمْزٍ *** قَاربْتُ بين عَنقي وجمْزِي{[17899]}
ومنه " يَعْدُو الجَمَزَى " وهو أن يجمع رجليه معاً ، ويهمز بنفسه ، هذا أصله في اللغة وقوله : " إليهِ " عاد الضميرُ على " الملجأ " أو على " المُدَّخل " ، لأنَّ العطف ب " أوْ " ، ويجوز أن يعود على " المغارات " لتأويلها بمذكر . ومعنى الآية : أنهم لو يجدون مخلصاً منكم أو مهرباً لفارقوكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.