تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (50)

فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ } فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما { فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } أي : فاعلم أن تركهم اتباعك ، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه ، ولا إلى هدى ، وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم . { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } فهذا من أضل الناس ، حيث عرض عليه الهدى ، والصراط المستقيم ، الموصل إلى اللّه وإلى دار كرامته ، فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه ، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء{[605]} فاتبعه وترك الهدى ، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه ؟ " ولكن ظلمه وعدوانه ، وعدم محبته للحق ، هو الذي أوجب له : أن يبقى على ضلاله ولا يهديه اللّه ، فلهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } أي : الذين صار الظلم لهم وصفا والعناد لهم نعتا ، جاءهم الهدى فرفضوه ، وعرض لهم الهوى ، فتبعوه ، سدوا على أنفسهم أبواب الهداية وطرقها ، وفتحوا عليهم أبواب الغواية وسبلها ، فهم في غيهم وظلمهم يعمهون ، وفي شقائهم وهلاكهم يترددون .

وفي قوله : { فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ } دليل على أن كل من لم يستجب للرسول ، وذهب إلى قول مخالف لقول الرسول ، فإنه لم يذهب إلى هدى ، وإنما ذهب إلى هوى .


[605]:- كذا في ب، وفي أ: الشقاق.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (50)

44

وهذه نهاية الإنصاف ، وغاية المطاولة بالحجة ، فمن لم يجنح إلى الحق بعد هذا فهو ذو الهوى المكابر ، الذي لا يستند إلى دليل :

( فإن لم يستجيبوا لك ، فاعلم أنما يتبعون أهواءهم . ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ? إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

إن الحق في هذا القرآن لبين ؛ وإن حجة هذا الدين لواضحة ، فما يتخلف عنه أحد يعلمه إلا أن يكون الهوى هو الذي يصده . وإنهما لطريقان لا ثالث لهما : إما إخلاص للحق وخلوص من الهوى ، وعندئذ لا بد من الإيمان والتسليم . وإما مماراة في الحق واتباع للهوى فهو التكذيب والشقاق . ولا حجة من غموض في العقيدة ، أو ضعف في الحجة ، أو نقص في الدليل . كما يدعي أصحاب الهوى المغرضون .

( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ) . .

وهكذا جزما وقطعا . كلمة من الله لا راد لها ولا معقب عليها . . إن الذين لا يستجيبون لهذا الدين مغرضون غير معذورين . متجنون لا حجة لهم ولامعذرة ، متبعون للهوى ، معرضون عن الحق الواضح :

( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ? ) . .

وهم في هذا ظالمون باغون :

( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .