تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلطُّورِ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الطور مكية

{ 1-16 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ * يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

يقسم تعالى بهذه الأمور العظيمة ، المشتملة على الحكم الجليلة ، على البعث والجزاء للمتقين والمكذبين ، فأقسم بالطور الذي هو الجبل الذي كلم الله عليه نبيه موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام ، وأوحى إليه ما أوحى من الأحكام ، وفي ذلك من المنة عليه وعلى أمته ، ما هو من آيات الله العظيمة ،

ونعمه التي لا يقدر العباد لها على عد ولا ثمن .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلطُّورِ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالطّورِ * وَكِتَابٍ مّسْطُورٍ * فِي رَقّ مّنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ * مّا لَهُ مِن دَافِعٍ } .

يعني تعالى ذكره بقوله : والطّورِ : والجبل الذي يُدعى الطور .

وقد بيّنت معنى الطور بشواهده ، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقد :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى : والطّورِ قال الجبل بالسّرْيانية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلطُّورِ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة عند السلف { سورة الطور } دون واو قبل الطور . ففي جامع الطواف من الموطإ حديث مالك عن أم سلمة قالت فطفت ورسول الله إلى جنب البيت يقرأ ب{ والطور وكتاب مسطور } ، أي يقرأ بسورة الطور ولم ترد يقرأ بالآية لأن الآية فيها { والطور } بالواو وهي لم تذكر الواو .

وفي باب القراءة في المغرب من الموطإ حديث مالك عن جبير بن مطعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بالطور في المغرب .

وفي تفسير سورة الطور من صحيح البخاري عن جبير بن مطعم قال سمعت النبي يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون } كاد قلبي أن يطير . وكان جبير بن مطعم مشركا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسرى بدر وأسلم يومئذ .

وكذلك وقعت تسميتها في ترجمتها من جامع الترمذي وفي المصاحف التي رأيناها ، وكثير من التفاسير . وهذا على التسمية بالإضافة ، أي سورة ذكر الطور كما يقال : سورة البقرة ، وسورة الهدهد ، وسورة المؤمنين .

وفي ترجمة هذه السورة من تفسير صحيح البخاري { سورة والطور } بالواو على حكاية اللفظ الواقع في أولها كما يقال { سورة قل هو الله أحد } . وهي مكية جميعها بالاتفاق .

وهي السورة الخامسة والسبعون في ترتيب نزول السور . نزلت بعد سورة نوح وقبل سورة المؤمنين .

وعد أهل المدينة ومكة آيها سبعا وأربعين ، وعدها أهل الشام وأهل الكوفة تسعا وأربعين ، وعدها أهل البصرة ثمانيا وأربعين .

أغراض هذه السورة

أول أغراض هذه السورة التهديد بوقوع العذاب يوم القيامة للمشركين المكذبين بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من إثبات البعث وبالقرآن المتضمن ذلك فقالوا : هو سحر .

ومقابلة وعيدهم بوعد المتقين المؤمنين وصفة نعيمهم ووصف تذكرهم خشية ، وثنائهم على الله بما من عليهم فانتقل إلى تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وإبطال أقوالهم فيه وانتظارهم موته .

وتحديهم بأنهم عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن .

وإبطال خليط من تكاذيبهم بإعادة الخلق وببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس من كبرائهم وبكون الملائكة بنات الله وإبطال تعدد الآلهة وذكر استهزائهم بالوعيد .

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركهم وأن لا يحزن لذلك ، فإن الوعيد حال بهم في الدنيا ثم في الآخرة وأمره بالصبر ، ووعده بالتأييد ، وأمر بشكر ربه في جميع الأوقات .

القَسَم للتأكيد وتحقيق الوعيد . ومناسبة الأمور المقسم بها للمقسم عليه أن هذه الأشياء المقسم بها من شؤون بعثه موسى عليه السلام إلى فرعون وكان هلاك فرعون ومن معه من جراء تكذيبهم موسى عليه السلام .

و { الطور } : الجبل باللغة السريانيّة قاله مجاهد . وأدخل في العربية وهو من الألفاظ المعربة الواقعة في القرآن .

وغلب علَماً على طور سينا الذي ناجى فيه موسى عليه السلام ، وأنزل عليه فيه الألواح المشتملة على أصول شريعة التوراة .

فالقسم به باعتبار شرفه بنزول كلام الله فيه ونزول الألواح على موسى وفي ذكر الطور إشارة إلى تلك الألواح لأنها اشتهرت بذلك الجبل فسميت طور المعرّب بتوراة .

وأما الجبل الذي خوطب فيه موسى من جانب الله فهو جبل حُوريب واسمه في العربية ( الزّبير ) ولعله بجانب الطور كما في قوله تعالى : { آنس من جانب الطور ناراً } وتقدم بيانه في سورة القصص ( 29 ) ، وتقدم عند قوله تعالى : { ورفعنا فوقكم الطور } في سورة البقرة ( 63 ) .

والقَسَم بالطور توطئة للقسم بالتوراة التي أنزل أولها على موسى في جبل الطور .

والمراد { بكتاب مسطور في رَقّ منشور } التوراةُ كلها التي كتبها موسى عليه السلام بعد نزول الألواح ، وضمَّنها كل ما أوحَى الله إليه مما أمر بتبليغه في مدة حياته إلى ساعات قليلة قبل وفاته . وهي الأسفار الأربعة المعروفة عند اليهود : سفر التكوين ، وسفر الخروج ، وسفر العَدد ، وسفر التثنية ، وهي التي قال الله تعالى في شأنها : { ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون } في سورة الأعراف ( 154 ) .