تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ} (63)

{ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي{[374]} : يكون في حد وشق مبعد عن اللّه ورسوله بأن تهاون بأوامر اللّه ، وتجرأ على محارمه .

{ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } الذي لا خزي أشنع ولا أفظع منه ، حيث فاتهم النعيم المقيم ، وحصلوا على عذاب الجحيم عياذا باللّه من أحوالهم{[375]} .

{ 64 - 66 } { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ }


[374]:- في ب: بأن.
[375]:- في ب: بأن.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَلَمْ يَعْلَمُوَاْ أَنّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ } .

يقول تعالى ذكره : ألم يعلم هؤلاء المنافقون الذين يحلفون بالله كذبا للمؤمنين ليرضوهم وهم مقيمون على النفاق ، أنه من يحارب الله ورسوله ويخالفهما فيناوئهما بالخلاف عليهما ، فأنّ لَهُ نارَ جَهَنّمَ في الاَخرة ، خالِدا فِيها يقول : لابثا فيها ، مقيما إلى غير نهاية . ذلكَ الخِزْيُ العَظِيمُ يقول : فلبثه في نار جهنم وخلوده فيها هو الهوان والذلّ العظيم . وقرأت القرّاء : فَأنّ بفتح الألف من «أن » بمعنى : ألم يعلموا أن لمن حادّ الله ورسوله نار جهنم ، وإعمال «يعلموا » فيها ، كأنهم جعلوا «أن » الثانية مكرّرة على الأولى ، واعتمدوا عليها ، إذ كان الخبر معها دون الأولى . وقد كانت بعض نحويي البصرة يختار الكسر في ذلك على الابتداء بسبب دخول الفاء فيها ، وأن دخولها فيها عنده دليل على أنها جواب الجزاء ، وأنها إذا كانت جواب الجزاء كان الاختيار فيها الابتداء . والقراءة التي لا أستجيز غيرها فتح الألف في كلام الحرفين ، أعني «أن » الأولى والثانية ، لأن ذلك قراءة الأمصار ، وللعلة التي ذكرت من جهة العربية .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ} (63)

هذه الجملة تتنزل من جملة { والله ورسوله أحق أن يرضوه } [ التوبة : 62 ] منزلة التعليل ، لأنّ العاقل لا يرضى لنفسه عملاً يَؤول به إلى مثل هذا العذاب ، فلا يُقدم على ذلك إلاّ مَن لاَ يعلم أنّ من يحادد الله ورسوله يصير إلى هذا المصير السيىءّ .

والاستفهام مستعمل في الإنكار والتشنيع ، لأنّ عدم علمهم بذلك محقّق بِضرورة أنّهم كافرون بالرسول ، وبأنّ رضى الله عند رضاه ولكن لمّا كان عدم علمهم بذلك غريباً لوجود الدلائل المقتضية أنّه ممّا يحقّ أن يعلموه ، كان حال عدم العلم به حالاً منكراً . وقد كثر استعمال هذا ونحوه في الإعلام بأمر مهمّ ، كقوله في هذه السورة : { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده } [ التوبة : 104 ] وقوله : { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم } [ التوبة : 78 ] وقول مَوْيَال بن جهم المذحجي ، أو مبشر بن هذيل الفزاري :

ألَمْ تعلَمي يا عَمْرَكِ اللَّهَ أنّني *** كريمٌ على حينَ الكرامُ قليل

فكأنّه قيل : فلْيعلموا أنّه من يُحادد الله الخ .

والضمير المنصوب ب { أنّه } ضمير الشأن ، وفسّر الضمير بجملة { من يحادد الله } إلى آخرها .

والمعنى : ألم يعلموا شأناً عظيماً هو من يحادد الله ورسوله له نار جهنّم .

وفكّ الدَّالان من { يحادد } ولم يُدغما لأنّه وقع مجزوماً فجاز فيه الفَكّ والإدغام ، والفكّ أشهر وأكثر في القرآن ، وهو لغة أهل الحجاز ، وقد ورد فيه الإدغام نحو قوله : { ومن يشاق الله } في سورة الحشر ( 4 ) في قراءة جميع العشرة وهو لغة تميم .

والمحادَّة : المُعاداة والمخالفة .

والفاء في { فأن له نار جهنم } لربط جواب شرط { مَن } .

وأعيدت { أنَّ } في الجواب لتوكيد { أنَّ } المذكورة قبلَ الشرط توكيداً لفظياً ، فإنّها لما دخلت على ضمير الشأن وكانت جملة الشرط وجوابه تفسيراً لضمير الشأن ، كان حكم { أنَّ } سارياً في الجملتين بحيث لو لم تذكر في الجواب لعُلِم أنّ فيه معناها ، فلمّا ذكرت كان ذكرها توكيداً لها ، ولا ضيرَ في الفصل بين التأكيد والمؤكَّد بجملة الشرط ، والفصل بين فاء الجواب ومدخولها بحرفٍ ، إذ لا مانع من ذلك ، ومن هذا القبيل قوله تعالى : { ثم إن ربك للذين عملوا السوءَ بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم } [ النحل : 119 ] وقول الحماسي ، وهو أحد الأعراب :

وإنَّ امرءاً دامت مواثيق عهده *** على مثل هذا إنَّه لكريم

و { جهنّم } تقدّم ذكرها عند قوله تعالى : { فحسبه جهنم وبئس المهاد } في سورة البقرة ( 206 ) .

والإشارة بذلك إلى المذكور من العذاب أو إلى ضمير الشأن باعتبار تفسيره . والمقصود من الإشارة : تمييزه ليتقرّر معناه في ذهن السامع .

و{ الخزي } الذلّ والهوان ، وتقدّم عند قوله تعالى : { فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا } في سورة البقرة ( 85 ) .