المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّهُۥ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَأَنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدٗا فِيهَاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡخِزۡيُ ٱلۡعَظِيمُ} (63)

وقوله { ألم يعلموا } الآية ، قولهم { ألم } تقرير ووعيد ، وفي مصحف أبي بن كعب «ألم تعلم » على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو وعيد لهم ، وقرأ الأعرج والحسن «ألم تعلموا » بالتاء ، و { يحادد } معناه يخالف ويشاق ، وهو أن يعطي هذا حده وهذا حده لهذا ، وقال الزجاج : هو أن يكون هذا في حد وهذا في حد ، وقوله { فإن } مذهب سيبويه أنها بدل من الأولى وهذا معترض بأن الشيء لا يبدل منه حتى يستوفى ، والأولى في هذا الموضع لم يأت خبرها بعد إذ لم يتم جواب الشرط ، وتلك الجملة هي الخبر ، وأيضاً فإن الفاء تمانع البدل ، وأيضاً فهي في معنى آخر غير الأول فيقلق البدل ، وإذا تلطف للبدل فهو بدل الاشتمال وقال غير سيبويه : هي مجردة لتأكيد الأولى وقالت فرقة من النحاة : هي في موضع خبر ابتداء تقديره فواجب أن له ، وقيل المعنى فله أن له ، وقالت فرقة : هي ابتداء والخبر مضمر تقديره فإن له نار جهنم واجب ، وهذا مردود لأن الابتداء ب «أن » لا يجوز مع إضمار الخبر ، قاله المبرد : وحكي عن أبي علي الفارسي قول يقرب معناه من معنى القول الثالث من هذه التي ذكرنا لا أقف الآن على لفظه ، وجميع القراء على فتح «أن » الثانية ، وحكى الطبري عن بعض نحويي البصرة أنه اختار في قراءتها كسر الألف ، ذكر أبو عمرو الداني أنها قراءة ابن أبي عبلة ، ووجهه في العربية قوي لأن الفاء تقتضي القطع والاستئناف ولأنه يصلح في موضعها الاسم ويصلح الفعل وإذا كانت كذلك وجب كسرها{[5764]} .


[5764]:- أجاز الخليل وسيبويه كسر همزة (فإن)، قال سيبويه، وهو جيد، وأنشد لابن مقبل: وعلمي بأسدام المياه فلم تزل قلائص تخدي في طريق طلائح وأني إذا ملّت ركابي مناخها فإني على حظي من الأمر جامح والأسدام: المياه المتغيرة لقلة الوارد، وتخدي: تُسرع، والطلائح: المعيبة لطول السفر، والجامح: الماضي على وجهه، ومعنى "ملّت ركابي مُناخها": توالي سفرها وإناختها فيه وارتحالها، يقول: لا يكسرني طول السفر ولكني أمضي قدما لما أرجوه من الحظ في أمري.