تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمٗا لُّدّٗا} (97)

{ 97 - 98 } { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا }

يخبر تعالى عن نعمته تعالى ، وأن الله يسر هذا القرآن الكريم بلسان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، يسر ألفاظه ومعانيه ، ليحصل المقصود منه والانتفاع به ، { لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ } بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والآجل ، وذكر الأسباب الموجبة للبشارة ، { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا } أي : شديدين في باطلهم ، أقوياء في كفرهم ، فتنذرهم . فتقوم عليهم الحجة ، وتتبين لهم المحجة ، فيهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة . ثم توعدهم بإهلاك المكذبين قبلهم ، فقال : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمٗا لُّدّٗا} (97)

وقوله : فإنّما يَسّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشّر بِهِ المُتّقِينَ يقول تعالى ذكره : فإنّما يسّرنا يا محمد هذا القرآن بلسانك تقرؤه ، لتبشر به المتقين الذين اتقوا عقاب الله ، بأداء فرائضه ، واجتناب معاصبه ، بالجنة . وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا يقول : ولتنذر بهذا القرآن عذاب اللّه قومكَ من قريش ، فإنهم أهل لَددَ وجدل بالباطل ، لا يقبلون الحقّ . واللّدّ : شدّة الخصومة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لُدّا قال : لا يستقيمون .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا يقول : لتنذر به قوما ظَلَمة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا : أي جدالاً بالباطل ، ذوي لَددَ وخصومة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا قال : فُجّارا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله قَوْما لُدّا قال : جدالاً بالباطل .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا قال : الألدّ : الظلوم ، وقرأ قول الله : وَهُوَ ألَدّ الخِصَامِ .

حدثنا أبو صالح الضراريّ ، قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار ، قال : حدثنا مهدي بن ميمون ، عن الحسن في قول الله عزّ وجلّ : وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْما لُدّا قال : صْما عن الحقّ ،

حدثني ابن سنان ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن هارون ، عن الحسن ، مثله .

وقد بيّنا معنى الألدّ فيما مضى بشواهده ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمٗا لُّدّٗا} (97)

الضمير في { يسرنا } ، وهذا كقوله { حتى توارت بالحجاب }{[8068]} [ ص : 32 ] لأن المعنى يقتضي المراد وإن لم يتقدم ذكره ، ووقع التيسير في كونه بلسان محمد عليه السلام وبلغته المفهومة المبينة ، وبشارة { المتقين } هي الجنة والنعيم الدائم والعز في الدنيا ، و «القوم اللد » هم قريش ومعناه مجادلين مخاصمين بباطل ، والألد الخاصم المبالغ في ذلك ، وقال مجاهد { لداً } فجاراً . قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذا عندي فجور الخصومة ، ولا يلد إلا المبطل . وفي الحديث :( أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) . {[8069]} ثم لما وصفهم الله تعالى بأنهم لد وهي صفة سوء بحكم الشرع والحق وجب أن يفسد عليهم بالوعيد والتمثيل بإهلاك من كان أشد منهم وألد وأعظم قدراً ما كان يسرهم في أنفسهم من الوصف بلد فإن العرب لجهالتها وعتوها وكفرها كانت تتمدح باللد وتراه إدراكاً وشهامة فمن ذلك قوله الشاعر : [ الخفيف ]

إن تحت الأحجار حزماً وعزماً . . . وخصيماً ألد ذا مغلاق{[8070]}


[8068]:من الآية (32) من سورة (ص).
[8069]:أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، عن عائشة رضي الله عنها، وقال القرطبي: هو في صحيح مسلم.
[8070]:الخصيم هو الخصم الذي يخاصمك، وجمعه خصماء وخصمان، والخصومة: الجدل، والمغلاق في أحد معاونيه: السهم السابع من قداح الميسر، يكون لصاحبه الفوز، ولعله المراد هنا، والشاعر قد قرن بين العزم والحزم واللدد في الخصومة مع الفوز في الميسر، وجعل ذلك كله من الصفات التي يعتز بها العربي، وموضع الاستشهاد هنا التمدح باللدد في الخصومة.