تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ} (2)

فشاهدوا أمرا ما رأوا مثله ، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسلين قبله نظيره ، فانبهروا لذلك ، ولم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولم يرد الله بهم خيرا ، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم ، وقالوا : سحرنا محمد ، ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من قدم{[922]}  إليكم من السفر ، فإنه وإن قدر على سحركم ، لا{[923]}  يقدر أن يسحر من ليس مشاهدا مثلكم ، فسألوا كل من قدم ، فأخبرهم بوقوع ذلك ، فقالوا : { سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } سحرنا محمد وسحر غيرنا .


[922]:- في ب: من ورد.
[923]:- في ب: لم.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ} (2)

وقوله : وَإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا يقول تعالى ذكره . وإن ير المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، ودلالة تدلهم على صدقة فيما جاءهم به عن ربهم ، يعرضوا عنها ، فيولوا مكذّبين بها مُنكرين أن يكون حقا يقينا ، ويقولوا تكذيبا منهم بها ، وإنكارا لها أن تكون حقا : هذا سحر سَحَرنا به محمد حين خَيّلَ إلينا أنا نرى القمر منفلقا باثنين بسحره ، وهو سحر مستمرّ ، يعني يقول : سِحر مستمرّ ذاهب ، من قولهم : قد مرّ هذا السحر إذا ذهب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : سِحْرٌ مُسْتَمِرّ قال : ذاهب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وإنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ قال : إذا رأى أهل الضلالة آية من آيات الله قالوا : إنما هذا عمل السحر ، يوشك هذا أن يستمرّ ويذهب .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَيَقُولوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ يقول : ذاهب .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ كما يقول أهل الشرك إذا كُسِف القمر يقولون : هذا عمل السحرة .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، قوله : سِحْرٌ مُسْتَمِرّ قال : حين انشقّ القمر بفِلقتين : فِلْقة من وراء الجبل ، وذهبت فلقة أخرى ، فقال المشركون حين رأوا ذلك : سحر مستمرّ .

وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يوجه قوله : مُسْتَمِرّ إلى أنه مستفعل من الإمرار من قولهم : قد مرّ الجبل : إذا صلب وقوي واشتدّ وأمررته أنا : إذا فتلته فتلاً شديدا ، ويقول : معنى قوله : وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ : سحر شديد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن يَرَوۡاْ ءَايَةٗ يُعۡرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحۡرٞ مُّسۡتَمِرّٞ} (2)

وقوله : { وإن يروا } جاء اللفظ مستقبلاً لينتظم ما مضى وما يأتي ، فهو إخبار بأن حالهم هكذا ، واختلفت الناس في معنى : { مستمر } فقال الزجاج قيل معناه : دائم متماد . وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه : مار ذاهب عن قريب يزول . وقال أبو العالية والضحاك معناه : مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر ، أي أحكم . ومنه قول الشاعر [ لقيط بن زرارة ] : [ البسيط ]

حتى استمرت على شزر مريرته . . . صدق العزيمة لا رتّاً ولا ضرعا{[10755]} .


[10755]:هذا البيت لِلقيط بن يعمر الإيادي من قصيدة قالها يدعو قومه إلى قتال كسرى ويحضهم على الحرب والفداء، ويقول في مطلعها: يا دار عبلة من مُحلتها الجرعا هاجت لي الهم والأحزان والوجعا والبيت أحد الأبيات التي يتكلم فيها عن اختيار قائد شجاع، قادر على الحرب، قد حنكته الأيام وأكسبته الخبرة، فهو لا يستكين إذا عضه مكروه، ولا يعيش عيش المترفين إن ساعده رخاء العيش: وقلدوا أمركم لله دركم رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا لا مترفا إن رخاء العيش ساعده ولا إذا عض مكروه به خشعا ومعنى"استمرت": أُحكمت، والشزر: فتل الحبل مما يلي اليسار، وهو أشد لفتله، والمريرة: إحكام الفتل ثم أريد بها القوة، يقال: استمرت مريرة الرجل إذا قويت شكيمته، والصدق: الكامل في كل شيء، وصَدق العزيمة: الثابت فيها المصمم عليها، ويُروى"مُر العزيمة"، كما يُروى"مُستحكم السن" بدلا من "صَدق العزيمة". والرتة: ردة قبيحة في اللسان من العيب، والذي في "الشعر والشعراء" وفي الديوان:"لاقحما"والقحم: الشيخ الهرم يعتريه خرق وخوف، والضرع: اللين الذليل.