تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

{ وَالْمَلَكُ } أي : الملائكة الكرام { عَلَى أَرْجَائِهَا } أي : على جوانب السماء وأركانها ، خاضعين لربهم ، مستكينين لعظمته .

{ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } أملاك في غاية القوة إذا أتى للفصل بين العباد والقضاء بينهم بعدله وقسطه وفضله .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

والملكُ على أرجائها يقول تعالى ذكره : والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : والمَلَكُ على أرْجائها يقول : والملك على حافات السماء حين تشقّق ويقال : على شقة ، كلّ شيء تشقّق عنه .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : أطرافها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، في قوله : وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : على حافات السماء .

حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا أبو أُسامة ، عن الأجلح ، قال : قلت للضحاك : ما أرجاؤها ، قال : حافاتها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال ثني سعيد : عن قتادة والملكُ على أرجائها على حافاتها .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : بلغني أنها أقطارها ، قال قتادة : على نواحيها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : نواحيها .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الأشيب ، قال : حدثنا ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن المسيب : الأرجاء حافات السماء .

قال : ثنا الأشيب ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبير وَالمَلَكُ على أرْجائها قال : على ما لم يَهِ منها .

حدثنا محمد بن سنان القزاز ، قال : حدثنا حسين الأشقر ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله والمَلَكُ على أرْجائها قال : على ما لم يَهِ منها .

وقوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ اختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله ثَمانِيَةٌ فقال بعضهم : عنى به ثمانية صفوف من الملائكة ، لا يعلم عدّتهنّ إلا الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا طلق عن ظهير ، عن السديّ ، عن أبي مالك عن ابن عباس : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال : ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ين عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال : هي الصفوف من وراء الصفوف .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال : ثمانية صفوف من الملائكة .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال بعضهم : ثمانية صفوف لا يعلم عدتهنّ إلا الله . وقال بعضهم : ثمانية أملاك على خلق الوعلة .

وقال آخرون : بل عنى به ثمانية أملاك . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةً قال : ثمانية أملاك ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ ، وَيَوْم القِيامَةِ ثَمَانِيَةٌ » ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أقْدامَهُمْ لَفِي الأرْضِ السّابِعَةِ ، وَإنّ مَناكِبَهُمْ لخَارِجَةٌ مِنَ السّمَوَاتِ عَلَيْها العَرْشُ » قال ابن زيد : الأربعة ، قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَمّا خَلَقَهُمُ اللّهُ قالَ : تَدْرُونَ لِمَ خَلَقْتُكُمْ ؟ قالُوا : خَلَقْتَنا رَبّنا لِمَا تَشاءُ ، قالَ لَهُمْ : تَحْمِلُونَ عَرْشِي ، ثُمّ قالَ : سَلُوني مِنَ القُوّةِ ما شِئْتُمْ أجْعَلْها فِيكُمْ ، فَقالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ : قَدْ كانَ عَرْشُ رَبّنا على المَاءِ ، فاجَعْلْ فِيّ قُوّةَ المَاءِ ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فيكَ قُوّةَ المَاءِ وقال آخَرُ : اجَعَلْ فِيّ قُوّة السّمَوَات ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ السّمَوَاتِ وقالَ آخَرُ : اجْعَلْ فيّ قُوّةَ الأرْضِ ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الأرْضِ والجِبالِ وقالَ آخَرُ : اجْعَلْ فِيّ قُوّةَ الرّياح ، قالَ : قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الرّياحِ ثُمّ قال : احْمِلُوا ، فَوَضَعُوا العَرْش على كَوَاهِلِهِمْ ، فَلَمْ يَزُولُوا قالَ : فَجاءَ عِلْمٌ آخَرُ ، وإنّمَا كانَ عِلْمُهُمُ الّذِي سأَلُوهُ القُوّةَ ، فَقالَ لَهُمْ : قُولُوا : لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ ، فَقالُوا : لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّهِ ، فَجَعَلَ اللّهُ فِهِمْ مِنَ الْحَوْلِ والقُوّةِ ما لمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ ، فَحَمَلُوا » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «هُمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ » ، يعني حملة العرش «وَإذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أيّدَهُمُ اللّهُ بأرْبَعَةٍ آخَرِينَ فَكانُوا ثَمانِيَةً وَقَدْ قالَ اللّهُ : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن ميسرة ، قوله : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ قال : أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور :

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ} (17)

والرجا : الجانب من الحائط والبئر ونحوه ومنه قول الشاعر [ المرادي ] : [ الطويل ]

كأن لم تري قبلي أسيراً مقيداً*** ولا رجلاً يرعى به الرجوان{[11288]}

أي يلقى في بئر فهو لا يجد ما يتمسك به . وقال الضحاك أيضاً{[11289]} وابن جبير : الضمير في { أرجائها } عائد على الأرض وإن كان لم يتقدم لها ذكر قريب لأن القصة واللفظ يقتضي إفهام ذلك ، وفسر هذه الآية بما روي أن الله تعالى يأمر ملائكة سماء الدنيا فيقفون صفاً على حافات الأرض ثم يأمر ملائكة السماء الثانية فيصفون خلفهم ثم كذلك ملائكة كل سماء ، فكلما فر أحد من الجن والإنس وجد الأرض قد أحيط بها{[11290]} ، قالوا فهذا تفسير هذه الآيات ، وهو أيضاً معنى قوله تعالى :

{ وجاء ربك والملك صفاً صفاً }{[11291]} [ الفجر : 22 ] وهو أيضاً تفسير قوله { يوم التناد يوم تولون مدبرين }{[11292]} [ غافر : 32-33 ] على قراءة من شد الدال ، وهو تفسير قوله : { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا }{[11293]} [ الرحمن : 33 ] ، واختلف الناس في الثمانية الحاملين للعرش ، فقال ابن عباس : هي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم أحد عدتهم . وقال ابن زيد : هم ثمانية أملاك على هيئة الوعول ، وقال جماعة من المفسرين : هم على هيئة الناس ، أرجلهم تحت الأرض السفلى ورؤوسهم وكواهلهم فوق السماء السابعة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة قواهم الله بأربعة سواهم »{[11294]} . والضمير في قوله : { فوقهم } للملائكة الحملة ، وقيل للعالم كله وكل قدرة كيفما تصورت فإنما هي بحول الله وقوته .


[11288]:هذا البيت للمرادي، وذكره صاحب اللسان في "رجا" مع بيت قبله، وهما : لقد هزئت مني بنجران إذا رأت مقامي في الكبلين أم أبان كأن لم تري قبلي أسيرا مكبلا ولا رجلا يرمي به في الرجوان والرجوان: مثنى "رجا" المقصور، وهو ناحية الشيء، وخص بعض اللغويين به ناحية البئر من أعلاها إلى أسفلها وحافتيها، ويقال: "رمي به في الرجوان" والمعنى: استهين به فكأنه رمي هناك، أي في المهالك، و "المكبل" كما في رواية اللسان هو الذي قيد، والكبل هو القيد، وقد جاء لفظه في رواية ابن عطية هنا.
[11289]:زيادة في الأصول لا حاجة إليها.
[11290]:الخبر في تفسير ابن جرير، عن الضحاك بن مزاحم، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
[11291]:الآية 22 من سورة الفجر.
[11292]:من الآيتين 32،33 من سورة غافر.
[11293]:من الآية 33 من سورة الرحمن.
[11294]:أخرجه ابن جرير الطبري من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه الطبري أيضا من طريق ابن إسحق، وهو خبر مقطوع في الروايتين.