تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

{ قُلْ } لهم ، إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء : { سِيرُوا فِي الْأَرْضِ } بأبدانكم وقلوبكم { فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } فإنكم ستجدون أمما من الآدميين والحيوانات ، لا تزال توجد شيئا فشيئا ، وتجدون النبات والأشجار ، كيف تحدث وقتا بعد وقت ، وتجدون السحاب والرياح ونحوها ، مستمرة في تجددها ، بل الخلق دائما في بدء وإعادة ، فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى -النوم- وقد هجم عليهم الليل بظلامه ، فسكنت منهم الحركات ، وانقطعت منهم الأصوات ، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين ، ثم إنهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم ، حتى انفلق الإصباح ، فانتبهوا من رقدتهم ، وبعثوا من موتتهم ، قائلين : " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور "

ولهذا قال : { ثُمَّ اللَّهُ } بعد الإعادة { يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ } وهي النشأة التي لا تقبل موتا ولا نوما ، وإنما هو الخلود والدوام في إحدى الدارين . { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى لا يعجزها شيء وكما قدر بها على ابتداء الخلق ، فقدرته على الإعادة من باب أولى وأحرى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

وقوله : قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ يقول تعالى ذكره لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للمنكرين للبعث بعد الممات ، الجاحدين الثواب والعقاب : سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الأشياء وكيف أنشأها وأحدثها وكما أوجدها وأحدثها ابتداء ، فلم يتعذّر عليه إحداثها مُبدئا ، فكذلك لا يتعذّر عليه إنشاؤها معيدا ثُمّ اللّهُ يُنْشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ يقول : ثم الله يبدىء تلك البدأة الاَخرة بعد الفناء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْق خَلْق السموات والأرض ثُمّ اللّهُ يُنْشِىءُ النّشْأَةَ الاَخِرَةَ : أي البعث بعد الموت .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ثُمّ اللّهُ يُنْشِىءُ النّشْأةَ الاَخِرَةَ قال : هي الحياة بعد الموت ، وهو النشور .

وقوله : إنّ اللّهَ عَلى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره : إن الله على إنشاء جميع خلقه بعد إفنائه كهيئته قبل فنائه ، وعلى غير ذلك مما يشاء فعله قادر لا يُعجزه شيء أراده .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

{ قل سيروا في الأرض } حكاية كلام الله لإبراهيم أو محمد عليهما الصلاة والسلام . { فانظروا كيف بدأ الخلق } على اختلاف الأجناس والأحوال . { ثم الله ينشئ النشأة الآخرة } بعد النشأة الأولى التي هي الإداء ، فإنه والإعادة نشأتان من حيث أن كلا اختراع وإخراج من العدم ، والإفصاح باسم الله مع إيقاعه مبتدأ بعد إضماره في بدأ والقياس الاقتصار عليه للدلالة على أن المقصود بيان الإعادة ، وأن من عرف بالقدرة على الإبداء ينبغي أن يحكم له بالقدرة على الإعادة لأنها أهون والكلام في العطف ما مر ، وقرئ " النشاءة " كالرآفة . { إن الله على كل شيء قدير } لأن قدرته لذاته ونسبة ذاته إلى كل الممكنات على سواء فيقدر على النشأة الأخرى كما قدر على النشأة الأولى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ بَدَأَ ٱلۡخَلۡقَۚ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِئُ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأٓخِرَةَۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (20)

ثم أمر تعالى نبيه ، ويحتمل أن يكون إبراهيم ، ويحتمل أن يكون محمداً ، إن كان في قصة إبراهيم اعتراض بين كلامين بأن يأمرهم على جهة الاحتجاج بالسير في الأرض والنظر في كل قطر وفي كل أمة قديماً وحديثاً ، فإن ذلك يوجد أن لا خالق إلا الله تعالى ولا يبتدىء بالخلق سواه ، ثم ساق على جهة الخبر أن الله تعالى يعيد وينشيء نشأة القيام من القبور{[9232]} ، وقرأت فرقة «النشأة » ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «النشاءة » على وزن الفعالة وهي قراءة الأعرج ، وهذا كما تقول رأفة ورآفة ، وقرأ الباقون «النشأة » على وزن الفعلة ، وقرأ الزهري «النشّة » بشين مشددة في جميع القرآن ، والبعث من القبور يقوم دليل العقل على جوازه وأخبرت الشرائع وقوعه ووجوده .


[9232]:في قوله تعالى: {أو لم يروا...} الآية صرح الله تعالى باسمه في قوله {كيف يبدىء الله الخلق} ، ثم أضمر في قوله: {ثم يعيده}، وفي الآية التي بعدها عكس، فأضمر في قوله : {كيف بدأ الخلق} ثم أبرزه في قوله: {ثم الله ينشىء} حتى لا تخلو الجملتان من صريح اسمه تبارك وتعالى، ودل إبرازه في الآية الثانية على تفخيم النشأة الآخرة، وتعظيم أمرها، وتقرير وجودها، إذ كان نزاع الكفار فيها، فكأنه قيل: ثم ذلك الذي بدأ الخلق هو الذي ينشىء النشأة الآخرة: فكأن التصريح باسمه أفخم في إسناد النشأة إليه. ذكر ذلك أبو حيان في البحر.