تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

ثم بين خسرانهم وسفاهة عقولهم فقال : { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي : خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم ، وصار وصْفُهم -بعد العقول الرزينة- السفه المردي ، والضلال .

{ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ } أي : ما جعله رحمة لهم ، وساقه رزقا لهم . فردوا كرامة ربهم ، ولم يكتفوا بذلك ، بل وصفوها بأنها حرام ، وهي من أَحَلِّ الحلال .

وكل هذا { افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ } أي : كذبا يكذب به كل معاند كَفَّار . { قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } أي : قد ضلوا ضلالا بعيدا ، ولم يكونوا مهتدين في شيء من أمورهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوَاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَآءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } .

يقول تعالى ذكره : قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذب ، العادلون به الأوثان والأصنام ، الذين زيّن لم شركاؤهم قتل أولادهم ، وتحريم ما حرّمت عليهم من أموالهم ، فقتلوا طاعة لها أولادهم ، وحرّموا ما أحلّ الله لهم ، وجعله لهم رزقا من أنعامهم سفها منهم ، يقول : فعلوا ما فعلوا من ذلك جهالة منهم بما لهم وعليهم ، ونقص عقول ، وضعف أحلام منهم ، وقلة فهم بعاجل ضرّه وآجل مكروهه من عظيم عقاب الله عليه لهم . افْتِرَاءً على الله يقول : تكذيبا على الله وتخرّصا عليه الباطل . قَدْ ضَلّوا يقول : قد تركوا محجة الحقّ في فعلهم ذلك ، وزالوا عن سواء السبيل . وَما كانُوا مُهْتَدِينَ يقول : ولم يكن فاعلو ذلك على هدى واستقامة في أفعالهم التي كانوا يفعلون قبل ذلك ، وَلا كانُوا مُهْتَدِينَ للصواب فيها ولا موفقين له . ونزلت هذه الاَية في الذين ذكر الله خبرهم في هذه الاَيات ، من قوله : وَجَعَلُوا لله مِمّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيبا الذين كانوا يبحرون البحائر ، ويسيبون السوائب ، ويئدون البنات . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عكرمة ، قوله : الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغيرِ عِلْمٍ قال : نزلت فيمن يئد البنات من ربيعة ومضر ، كان الرجل يشترط على امرأته أن تستحيي جارية وتئد أخرى ، فإذا كانت الجارية التي تُوأد غدا الرجل أو راح من عند امرأته وقال لها : أنت عليّ كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها فتخدّ لها في الأرض خَدّا ، وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها ، ثم يتداولنها ، حتى إذا أبصرته راجعا دسّتها في حفرتها ، ثم سوّت عليها التراب .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، ثم ذكر ما صنعوا في أولادهم وأموالهم ، فقال : قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغيرِ عِلْمٍ وحَرّموا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغير عِلْمٍ فقال : هذا صنيع أهل الجاهلية ، كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ويَغْذُو كلبه . وقوله : وَحَرّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ . . . الاَية ، وهم أهل الجاهلية جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا ، تحكّما من الشياطين في أموالهم .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : إذا سرّك أن تعلم جهل العرب ، فاقرأ ما بعد المائة من سورة الأنعام ، قوله : قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغيرِ عِلْمٍ . . . الاَية .

وكان أبو رزين يتأوّل قوله : قَدْ ضَلّوا أنه معنيّ به قد ضلوا قبل هؤلاء الأفعال من قتل الأولاد وتحريم الرزق الذي رزقهم الله بأمور غير ذلك .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي رزين ، في قوله : قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ . . . إلى قوله : قَدْ ضَلّوا قال : قد ضلوا قبل ذلك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

{ قد خسر الذين قتلوا أولادهم } يريد بهم العرب الذين كانوا يقتلون بناتهم مخافة السبي والفقر . وقرأ ابن كثير وابن عامر { قتلوا } بالتشديد بمعنى التكثير . { سفها بغير علم } لخفة عقلهم وجهلهم بأن الله سبحانه وتعالى رازق أولادهم لا هم ، ويجوز نصبه على الحال أو المصدر . { وحرموا ما رزقهم الله } من البحائر ونحوها . { افتراء على الله } يحتمل الوجوه المذكورة في مثله . { قد ضلوا وما كانوا مهتدين } إلى الحق والصواب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِينَ قَتَلُوٓاْ أَوۡلَٰدَهُمۡ سَفَهَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفۡتِرَآءً عَلَى ٱللَّهِۚ قَدۡ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ} (140)

هذا لفظ يتضمن التشنيع بقبح فعلهم والتعجب من سوء حالهم في وأدهم البنات وحجرهم الأنعام والحرث ، وقال عكرمة : وكان الوأد في ربيعة ومضر .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وكان جمهور العرب لا يفعله ، ثم إن فاعليه كان منهم من يفعله خوف العيلة والاقتار ، وكان منهم من يفعله غيرة مخافة السباء ، وقرأ ابن عامر وابن كثير : «قتّلوا » بتشديد التاء على المبالغة وقرأ الباقون : «قتلوا » بتخفيفها و { ما رزقهم الله } : هي تلك الأنعام والغلات التي توقف بغير شرع ولا مثوبة في معاد بل بالافتراء على الله والكذب و { قد ضلوا } إخباراً عنهم بالحيرة وهو من التعجب بمنزلة قوله { قد خسر } ، { وما كانوا } يريد في هذه الفعلة ويحتمل أن يريد : وما كانوا قبل ضلالهم بهذه الفعلة مهتدين لكنهم زادوا بهذه الفعلة ضلالاً .