تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } فتبقى قلوبهم سالمة من كل دغل{[455]}  وحسد متصافية متحابة { إخوانا على سرر متقابلين }

دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما بينهم في كون كل منهم مقابلا للآخر لا مستدبرا له متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر .


[455]:- في ب: غل.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

ثم بين - سبحانه - ما هم عليه في الجنة من صفاء نفسى ، ونقاء قلبى فقال : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } .

والنزع : القلع يقال : نزع فلان هذا الشىء من مكانه إذا قلعه منه ، وفعله من باب ضرب والغل : الحقد والضغينة ، وأصله من الغلالة ، وهى ما يلبس بين الثوبين : الشعار والدثار .

أو من الغلل وهو الماء المتخلل بين الأشجار . ويقال : غل صدر فلان يغل - بالكسر - غلا إذا كان ذا غش ، أو ضغن ، أو حقد .

والسرر : جمع سرير وهو المكان المهيأ لراحة الجالس عليه وإدخال السرور على قلبه .

أى : وقلعنا ما في صدور هؤلاء المتقين من ضغائن وعداوات كانت موجودة فيها في الدنيا ، وجعلناهم يدخلون الجنة إخوانًا متحابين متصافين ، ويجلسون متقابلين ، على سرر مهيأة لراحتهم ورفاهيتهم وإدخال السرور على نفوسهم .

وقوله : { إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } حال عن فاعل { ادخلوها } .

وعبر بقوله { متقابلين } لأن مقابلة الوجه للوجه أدخل في الإِيناس ، وأجمع للقلوب .

والآية الكريمة تشعر بأنهم في الجنة ينشئهم الله - تعالى - نشأة أخرى جديدة وتكون قلوبهم فيها خالية من كل ما كان يخالطهم في الدنيا من ضغائن وعداوات وأحقاد وأطماع وغير ذلك من الصفات الذميمة ، ويصلون بسبب هذه النشأة الجديدة إلى منتهى الرقى البشرى . . .

وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية عددا من الأحاديث والآثار منها ما رواه القاسم عن أبى أمامة قال : يدخل أهل الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن ، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل ، ثم قرأ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ .

ومنها : ما رواه أبو مالك الأشجعى عن أبي حبيبة - مولى لطلحة - قال : دخل عمران ابن طلحة على الإِمام على بن أبى طالب بعد ما فرغ من أصحاب الجمل ، فرحب على - رضى الله عنه - به ، وقال : إنى لأرجو أن يجعلنى الله وإياك من الذين قال الله فيهم : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ . . . } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

جملة ونزعنا ما في صدورهم من غل } عطف على الخبر ، وهو { في جنات وعيون } . والتقدير : إن المتقين نزعنا ما في صدورهم من غِلّ .

والغِلّ بكسر الغين البغض . وتقدم في قوله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار } في سورة الأعراف ( 43 ) ، أي ما كان بين بعضهم من غلّ في الدنيا .

و{ إخواناً } حال ، وهو على معنى التشبيه ، أي كالإخوان ، أي كحال الإخوان في الدنيا .

وأول من يدخل في هذا العموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم من الحوادث الدافع إليها اختلاف الاجتهاد في إقامة مصالح المسلمين ، والشدة في إقامة الحق على حسب اجتهادهم . كما روي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال : إني لأرجو من أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً } . فقال جاهل من شيعة عليّ اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني : كلا ، اللّهُ أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد . فقال عليّ : « فلمن هذه الآية لا أمّ لك بِفيك التراب » .

والسرر : جمع سرير . وهو محمل كالكرسي متّسع يمكن الاضطجاع عليه . والاتّكاء : مجلس أصحاب الدعة والرفاهية لتمكن الجالس عليه من التقلّب كيف شاء حتى إذا ملّ جِلسة انقلب لغيرها .

والتقابل : كون الواحد قبالة غيره ، وهو أدخل في التأنس بالرؤية والمحَادثة .