تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (6)

فإنه سواء استغفر لهم أم لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم ، وذلك لأنهم قوم فاسقون ، خارجون عن طاعة الله ، مؤثرون للكفر على الإيمان ، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول ، لو استغفر لهم كما قال تعالى : { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (6)

وقوله - سبحانه - : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ .

. } تيئيس له - صلى الله عليه وسلم - من إيمانهم ، ومن قبولهم للحق .

ولفظ " سواء " اسم مصدر بمعنى الاستواء ، والمراد به الفاعل . أى : مستو ، ولذلك يوصف به كما يوصف بالمصدر ، كما فى قوله - تعالى - : { قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ . . } أى : مستوية .

أى : إن هؤلاء الراسخين فى الكفر والنفاق ، قد استوى عندهم استغفارك لهم وعدم استغفارك ، فهم لتأصل الجحود فيهم صاروا لا يفرقون بين الحق والباطل ، ولا يؤمنون بثواب أو عقاب . . . ولذلك فلن يغفر الله - تعالى - لهم مهما حرصت على هدايتهم وصلاحهم .

وقوله - سبحانه - : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين } تعليل لانتفاء المغفر من الله - تعالى - لهم .

أى : لن يغفر الله - تعالى - لهم ، لأن سنته - سبحانه - قد اقتضت أن لا يهدى إلى طاعته ، وأن لا يشمل بمغفرته ، من فسق عن أمره ، وآثر الباطل على الحق ، والكفر على الإيمان ، لسوء استعداده ، واتباعه لخطوات الشيطان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ أَسۡتَغۡفَرۡتَ لَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تَسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ لَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (6)

{ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ }

جملة معترضة بين حكاية أحوالهم نشأت لمناسبة قوله : { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } [ المنافقون : 5 ] الخ .

واعلم أن تركيب : سواء عليه أكذا أم كذا ، ونحوه مما جرى مجرى المثل فيلزم هذه الكلمات مع ما يناسبها من ضمائر المخبر عنه . ومدلوله استواء الأمرين لدى المجرور بحرف ( على ) ، ولذلك يعقَّب بجملةٍ تبين جهة الاستواء كجملة { لن يغفر الله لهم } . وجملة { لا يؤمنون } في سورة [ البقرة : 6 ] . وقوله : { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } في سورة [ يس : 10 ] وأما ما ينسب إلى بُثينة في رثاء جَميل بن معمر من قولها :

سَواء عَلَينا يا جميلُ بنَ معمر *** إذا مِتَّ بأساءُ الحياةِ ولينُها

فلا أحسبه صحيح الرواية . وسواء اسم بمعنى مساو يعامل معاملة الجامد في الغالب فلا يتغير خبره نقول : هما سواء ، وهم سواء . وشذ قولهم : سِواءَيْن .

و ( على ) من قوله : عليهم } بمعنى تَمكُّن الوصف . فالمعنى : سواء فيهم .

وهمزة { أستغفرت لهم } أصلها همزة استفهام بمعنى : سواء عندهم سُؤال السائل عن وقوع الاستغفار لهم وسؤالُ السائل عن عدم وقوعه . وهو استفهام مجازي مستعمل كناية عن قلة الاعتناء بكلا الحالين بقرينة لفظ سواء ولذلك يسمي النُحَاة هذه الهمزة التسوية . وتقدم عند قوله تعالى : { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } في سورة [ البقرة : 6 ] ، أي سواء عندهم استغفارك لهم وعدمه . ف ( على ) للاستعلاء المجازي الذي هو التمكن والتلبس فتؤول إلى معنى ( عند ) كما تقول سَواء عليَّ أرضيت أم غَضبت وقوله تعالى : { قالوا سواء علينا أوَعَظْتَ أم لم تكن من الواعظين } في سورة [ الشعراء : 136 ] .

وجملة لن يغفر الله لهم } معترضة بين جملة { سواء عليهم } وجملة { هم الذين يقولون } [ المنافقون : 7 ] وهي وعيد لهم وجزاء على استخفافهم بالاستغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين } .

جملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً عن حال من أحوالهم .

وجملة { إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } تعليل لانتفاء مغفرة الله لهم بأن الله غضب عليهم فحرمهم اللطف والعناية .